للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْفِعْلِ وَبِالتَّعْرِيضِ وَبِالْكِتَابَةِ وَبِالْحَرَكَةِ وَبِالرَّمْزِ وَ (بِغَمْزِ الْعَيْنِ وَالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ) وَكُلُّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْغِيبَةِ وَهُوَ حَرَامٌ؛ وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «دَخَلَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ فَلَمَّا وَلَّتْ أَوْمَأْتُ بِيَدِي أَيْ قَصِيرَةٌ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اغْتَبْتِيهَا» وَمِنْ ذَلِكَ الْمُحَاكَاةُ كَأَنْ يَمْشِي مُتَعَارِجًا أَوْ كَمَا يَمْشِي فَهُوَ غِيبَةٌ بَلْ أَقْبَحُ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ فِي التَّصْوِيرِ وَالتَّفْهِيمِ وَمِنْ الْغِيبَةِ أَنْ يَقُولَ: بَعْضُ مَنْ مَرَّ بِنَا الْيَوْمَ أَوْ بَعْضُ مَنْ رَأَيْنَاهُ إذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ يَفْهَمُ شَيْخًا مُعَيَّنًا لِأَنَّ الْمَحْذُورَ تَفْهِيمُهُ دُونَ مَا بِهِ التَّفْهِيمُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَفْهَمْ عَيْنَهُ جَازَ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَفِيهَا: الْغِيبَةُ أَنْ تَصِفَ أَخَاك حَالَ كَوْنِهِ غَائِبًا بِوَصْفٍ يَكْرَهُهُ إذَا سَمِعَهُ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ اغْتَبْته، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْهُ يَكْفِيهِ النَّدَمُ وَإِلَّا شُرِطَ بَيَانُ كُلِّ مَا اغْتَابَهُ بِهِ

ــ

[رد المحتار]

(قَوْلُهُ بِالْفِعْلِ) كَالْحَرَكَةِ وَالرَّمْزِ وَالْغَمْزِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَبِالتَّعْرِيضِ) كَقَوْلِهِ مُنْذُ ذَكَرَ شَخْصٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا مِنْ كَذَا وَهَذَا مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ صَرِيحًا (قَوْلُهُ وَبِالْكِتَابَةِ) لِأَنَّ الْقَلَمَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَعَبَّرَ فِي الشِّرْعَةِ بِالْكِنَايَةِ بِالنُّونِ وَالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ (قَوْلُهُ وَبِالْحَرَكَةِ) كَأَنْ يُذْكَرَ إنْسَانٌ عِنْدَهُ بِخَيْرٍ فَيُحَرِّكَ رَأْسَهُ مَثَلًا إشَارَةً إلَى أَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ مِنْ السُّوءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَبِالرَّمْزِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرَّمْزُ وَيُضَمُّ وَيُحَرَّكُ الْإِشَارَةُ أَوْ الْإِيمَاءُ بِالشَّفَتَيْنِ أَوْ الْعَيْنَيْنِ أَوْ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ الْفَمِ أَوْ اللِّسَانِ أَوْ الْيَدِ (قَوْلُهُ أَيْ قَصِيرَةً) تَفْسِيرٌ لِأَوْمَأْتُ ط (قَوْلُهُ اغْتَبْتِيهَا) بِيَاءِ الْإِشْبَاعِ ط (قَوْلُهُ الْغِيبَةُ أَنْ تَصِفَ أَخَاك) أَيْ الْمُسْلِمَ وَلَوْ مَيِّتًا وَكَذَا الذِّمِّيَّ لِأَنَّ لَهُ مَالَنَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْمُسْتَأْمَنِ أَنَّهُ بَعْدَ مُكْثِهِ عِنْدَنَا سَنَةً، وَوَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَيْهِ كُفَّ الْأَذَى عَنْهُ وَتَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَالْمُسْلِمِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا غِيبَةَ لِلْحَرْبِيِّ (قَوْلُهُ حَالَ كَوْنِهِ غَائِبًا) هَذَا الْقَيْدُ مَأْخُوذٌ مِنْ مَفْهُومِهَا اللُّغَوِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ فِي وَجْهِهِ، فَهُوَ سَبٌّ وَشَتْمٌ، وَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا بِالْأَوْلَى، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِيذَاءِ مِنْ حَالِ الْغِيبَةِ سِيَّمَا قَبْلَ بُلُوغِهَا الْمُغْتَابَ وَهُوَ أَحَدُ تَفْسِيرَيْنِ - {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: ١١]- فَقِيلَ هُوَ ذِكْرُ مَا فِي الرَّجُلِ مِنْ الْعَيْبِ فِي غِيبَتِهِ وَقِيلَ فِي وَجْهِهِ (قَوْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَخْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَجَمَاعَةٌ.

(قَوْلُهُ بِمَا يَكْرَهُ) سَوَاءٌ كَانَ نَقْصًا فِي بَدَنِهِ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ خَلْقِهِ أَوْ فِعْلِهِ أَوْ قَوْلِهِ أَوْ دِينِهِ حَتَّى فِي ثَوْبِهِ أَوْ دَارِهِ أَوْ دَابَّتِهِ كَمَا فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ قَالَ ط: وَانْظُرْ مَا لَوْ ذَكَرَ مِنْ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْعَاقِلِ مَا يَكْرَهُ لَوْ كَانَ عَاقِلًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ مِنْ الْأَقَارِبِ اهـ وَجَزَمَ ابْنُ حَجَرٍ بِحُرْمَةِ غِيبَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ فَقَدْ بَهَتَّهُ) أَيْ قُلْتَ فِيهِ بُهْتَانًا أَيْ كَذِبًا عَظِيمًا وَالْبُهْتَانُ: هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي يُتَحَيَّرُ مِنْ بُطْلَانِهِ وَشِدَّةِ ذِكْرِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُسْتَمِعَ لَا يَخْرُجُ مِنْ إثْمِ الْغِيبَةِ إلَّا بِأَنْ يُنْكِرَ بِلِسَانِهِ، فَإِنْ خَافَ فَبِقَلْبِهِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ أَوْ قَطْعِ الْكَلَامِ بِكَلَامٍ آخَرَ فَلَمْ يَفْعَلْهُ لَزِمَهُ كَذَا فِي الْإِحْيَاءِ اهـ. وَقَدْ وَرَدَ " «بِأَنَّ الْمُسْتَمِعَ أَحَدُ الْمُغْتَابِينَ» وَوَرَدَ «مَنْ ذَبَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ بِالْغِيبَةِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعْتِقَهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَجَمَاعَةٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْهُ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مِنْ الْحَدِيثِ بَلْ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ.

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إذَا تَابَ الْمُغْتَابُ قَبْلَ وُصُولِهَا تَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ بِلَا اسْتِحْلَالٍ مِنْ صَاحِبِهِ فَإِنْ بَلَغَتْ إلَيْهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ قِيلَ لَا تَبْطُلُ تَوْبَتُهُ، بَلْ يَغْفِرُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا جَمِيعًا لِلْأَوَّلِ بِالتَّوْبَةِ وَلِلثَّانِي لِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَقِيلَ بَلْ تَوْبَتُهُ مُعَلَّقَةٌ فَإِنْ مَاتَ الثَّانِي قَبْلَ بُلُوغِهَا إلَيْهِ فَتَوْبَتُهُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ بَلَغَتْهُ فَلَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِحْلَالِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَلَوْ قَالَ بُهْتَانًا فَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُمْ وَيُكَذِّبَ نَفْسَهُ وَتَمَامُهُ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا شُرِطَ بَيَانُ كُلِّ مَا اغْتَابَهُ بِهِ) أَيْ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَالْمُرَادُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ ذَلِكَ وَيَعْتَذِرَ إلَيْهِ لِيَسْمَحَ عَنْهُ بِأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>