(وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ وَلَوْ) كَانَتْ (بِسَلَامٍ وَتَحِيَّةٍ وَهَدِيَّةٍ) وَمُعَاوَنَةٍ وَمُجَالَسَةٍ وَمُكَالَمَةٍ وَتَلَطُّفٍ وَإِحْسَانٍ وَيَزُورُهُمْ غِبًّا لِيَزِيدَ حُبًّا بَلْ يَزُورُ أَقْرِبَاءَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَلَا يَرُدُّ حَاجَتَهُمْ لِأَنَّهُ مِنْ الْقَطِيعَةِ فِي الْحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ يَصِلُ مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ وَيَقْطَعُ مَنْ قَطَعَهَا» وَفِي الْحَدِيثِ «صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ»
ــ
[رد المحتار]
يُبَالِغَ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالتَّوَدُّدِ إلَيْهِ وَيُلَازِمَ ذَلِكَ حَتَّى يَطِيبَ قَلْبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطِبْ قَلْبُهُ كَانَ اعْتِذَارُهُ وَتَوَدُّدُهُ حَسَنَةً يُقَابِلُ بِهَا سَيِّئَةَ الْغِيبَةِ فِي الْآخِرَةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْلِصَ فِي الِاعْتِذَارِ، وَإِلَّا فَهُوَ ذَنْبٌ آخَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْقَى لِخَصْمِهِ عَلَيْهِ مُطَالَبَةٌ فِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُخْلِصٍ لَمَا رَضِيَ بِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَيْضًا: فَإِنْ غَابَ أَوْ مَاتَ فَقَدْ فَاتَ أَمْرُهُ، وَلَا يُدْرَكُ إلَّا بِكَثْرَةِ الْحَسَنَاتِ لِتُؤْخَذَ عِوَضًا فِي الْقِيَامَةِ، وَيَجِبُ أَنْ يُفَصِّلَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْصِيلُ مُضِرًّا لَهُ كَذِكْرِهِ عُيُوبًا يُخْفِيهَا فَإِنَّهُ يَسْتَحِلُّ مِنْهَا مُبْهِمًا اهـ.
وَقَالَ مُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ: وَهَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ اغْتَبْتُك فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ مَا اغْتَابَ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فِي الْغِيبَةِ إلَّا بِعِلْمِهِ بِهَا، بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ إعْلَامَهُ يُثِيرُ فِتْنَةً، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَالْمُسْتَحَبُّ لِصَاحِبِ الْغِيبَةِ أَنْ يُبْرِئَهُ عَنْهَا وَفِي الْقُنْيَةِ تَصَافُحُ الْخَصْمَيْنِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ اسْتِحْلَالٌ قَالَ فِي النَّوَوِيِّ.
وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ فِي الْغِيبَةِ، وَإِنْ بَلَغَتْ الْمُغْتَابَ وَلَا اعْتِبَارَ بِتَحْلِيلِ الْوَرَثَةِ.
(قَوْلُهُ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ) نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ اتِّفَاقَ الْأُمَّةِ عَلَى وُجُوبِ صِلَتِهَا وَحُرْمَةِ قَطْعِهَا لِلْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّحِمِ الَّتِي يَجِبُ صِلَتُهَا قَالَ قَوْمٌ: هِيَ قَرَابَةُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَقَالَ آخَرُونَ. كُلُّ قَرِيبٍ مَحْرَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ اهـ وَالثَّانِي ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْأَحَادِيثِ. نَعَمْ تَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهَا فَفِي الْوَالِدَيْنِ أَشَدُّ مِنْ الْمَحَارِمِ، وَفِيهِمْ أَشَدُّ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْحَامِ وَفِي الْأَحَادِيثِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَهُ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ بِسَلَامٍ إلَخْ) قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَإِنْ كَانَ غَائِبًا يَصِلُهُمْ بِالْمَكْتُوبِ إلَيْهِمْ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَسِيرِ إلَيْهِمْ كَانَ أَفْضَلَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَالِدَانِ لَا يَكْفِي الْمَكْتُوبُ إنْ أَرَادَا مَجِيئَهُ وَكَذَا إنْ احْتَاجَا إلَى خِدْمَتِهِ، وَالْأَخُ الْكَبِيرُ كَالْأَبِ بَعْدَهُ وَكَذَا الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا وَالْأُخْتُ الْكَبِيرَةُ وَالْخَالَةُ كَالْأُمِّ فِي الصِّلَةِ، وَقِيلَ الْعَمُّ مِثْلُ الْأَبِ وَمَا عَدَلَ هَؤُلَاءِ تَكْفِي صِلَتُهُمْ بِالْمَكْتُوبِ أَوْ الْهَدِيَّةِ اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ أَنْ تَصِلَهُمْ إذَا وَصَلُوك لِأَنَّ هَذَا مُكَافَأَةٌ بَلْ أَنْ تَصِلَهُمْ وَإِنْ قَطَعُوك فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» " (قَوْلُهُ وَيَزُورُهُمْ غِبًّا) الْغِبُّ بِالْكَسْرِ عَاقِبَةُ الشَّيْءِ وَفِي الزِّيَارَةِ أَنْ تَكُونَ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، وَمِنْ الْحُمَّى مَا تَأْخُذُهُ يَوْمًا وَتَدَعُ يَوْمًا قَامُوسٌ لَكِنْ فِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ هُوَ أَنْ تَزُورَ يَوْمًا وَتَدَعَ يَوْمًا وَلَمَّا كَانَ فِيهِ نَوْعُ عُسْرٍ عَدَلَ إلَى مَا هُوَ أَسْهَلُ مِنْ الْغِبِّ فَقَالَ بَلْ يَزُورُ أَقْرِبَاءَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ عَلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ اهـ (قَوْلُهُ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ) وَكَذَا فِي الرِّزْقِ فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنَسَّأَ» بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ ثَالِثِهِ الْمُهْمَلِ وَبِالْهَمْزِ أَيْ يُؤَخَّرَ لَهُ فِي أَثَرِهِ أَيْ أَجَلِهِ «فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» .
قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ: اخْتَلَفُوا فِي زِيَادَةِ الْعُمُرِ فَقِيلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقِيلَ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} [النحل: ٦١]- الْآيَةَ، بَلْ الْمَعْنَى يُكْتَبُ ثَوَابُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقِيلَ إنَّ الْأَشْيَاءَ قَدْ تُكْتَبُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مُعَلَّقَةً كَأَنْ وَصَلَ فُلَانٌ رَحِمَهُ فَعُمُرُهُ كَذَا وَإِلَّا فَكَذَا وَلَعَلَّ الدُّعَاءَ وَالصَّدَقَةَ وَصِلَةَ الرَّحِمِ مِنْ جُمْلَتِهَا فَلَا يُخَالِفُ الْحَدِيثُ الْآيَةَ اهـ. زَادَ فِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ عَنْ شَرْحِ الْمَشَارِقِ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ الْبَرَكَةُ فِي رِزْقِهِ وَبَقَاءُ ذِكْرِهِ الْجَمِيلِ بَعْدَهُ، وَهُوَ كَالْحَيَاةِ أَوْ يُقَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute