وَلِلصُّلْحِ جَازَ الْكِذْبُ أَوْ دَفْعُ ظَالِمٍ ... وَأَهْلِ التَّرَضِّي وَالْقِتَالِ لِيَظْفَرُوا
وَيُكْرَهُ فِي الْحَمَّامِ تَغْمِيزُ خَادِمٍ ... وَمَنْ شَاءَ تَنْوِيرًا فَقَالُوا يُنَوِّرُ
وَيَفْسُقُ مُعْتَادُ الْمُرُورِ بِجَامِعٍ ... وَمَنْ عَلَّمَ الْأَطْفَالَ فِيهِ وَيُوزَرُ
وَمَنْ قَامَ إجْلَالًا لِشَخْصٍ فَجَائِزٌ ... وَفِي غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْضٌ يُقَرِّرُ
وَجَوَّزَ نَقْلَ الْمَيِّتِ الْبَعْضُ مُطْلَقًا ... وَعَنْ بَعْضِهِمْ مَا فَوْقَ مِيلَيْنِ يُحْظَرُ
-
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَغَيْرِهِمَا «إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنْ الْكَذِبِ» وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجِرَاحِيُّ " وَذَلِكَ كَقَوْلِ مَنْ دُعِيَ لِطَعَامٍ: أَكَلْتُ. يَعْنِي أَمْسِ، وَكَمَا فِي قِصَّةِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْحَدِيثِ لِمَا فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ صُورَةِ الْكَذِبِ، وَحَيْثُ أُبِيحَ التَّعْرِيضُ لِحَاجَةٍ لَا يُبَاحُ لِغَيْرِهَا لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْكَذِبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ كَذِبًا قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ نَعَمْ الْمَعَارِيضُ تُبَاحُ بِغَرَضٍ حَقِيقِيٍّ كَتَطْيِيبِ قَلْبِ الْغَيْرِ بِالْمِزَاحِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ» وَقَوْلِهِ «فِي عَيْنِ زَوْجِك بَيَاضٌ» وَقَوْلِهِ «نَحْمِلُكِ عَلَى وَلَدِ الْبَعِيرِ» وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ جَازَ الْكِذْبُ) بِوَزْنِ عِلْمٍ مُخْتَارٌ أَيْ بِالْكَسْرِ فَالسُّكُونُ قَالَ الشَّارِحُ ابْنُ الشِّحْنَةِ، نَقَلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَعَارِيضَ لَا الْكَذِبَ الْخَالِصَ (قَوْلُهُ وَأَهْلِ التَّرَضِّي) لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ الْوَحْشَةِ وَالْخُصُومَةِ شَارِحٌ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ ضَرَّتِك أَيْ مِنْ بَعْضِ الْجِهَاتِ، وَسَأُعْطِيك كَذَا أَيْ إنْ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ فِي الْحَمَّامِ تَغْمِيزُ) أَيْ تَكْبِيسُ خَادِمٍ فَوْقَ الْإِزَارِ إذْ رُبَّمَا يَفْعَلُهُ لِلشَّهْوَةِ، وَهَذَا لَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ وَالِاخْتِيَارُ تَرْكُهُ وَلَوْ الْإِزَارُ كَثِيفًا وَمَسُّ مَا تَحْتَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْجَهَلَةُ حَرَامٌ شَارِحٌ (قَوْلُهُ فَقَالُوا يُنَوِّرُ) أَيْ يَطْلِي بِالنُّورَةِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْخَادِمِ فِي الصَّحِيحِ وَيُكْرَهُ لَوْ جُنُبًا شَارِحٌ (قَوْلُهُ وَيَفْسُقُ مُعْتَادُ الْمُرُورِ) فَلَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ إذَا كَانَ مَشْهُورًا بِهِ ط وَالْحِيلَةُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ حَالَ الدُّخُولِ، وَيَكْفِي فِيهِ السَّكَنَاتُ فِيمَا بَيْنَ الْخُطُوَاتِ شُرُنْبُلَالِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَنْ عَلَّمَ الْأَطْفَالَ إلَخْ) الَّذِي فِي الْقُنْيَةِ: أَنَّهُ يَأْثَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفِسْقُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ الْقَوْلُ بِهِ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ يَفْسُقُ. أَفَادَهُ الشَّارِحُ.
قُلْت: بَلْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعُيُونِ جَلَسَ مُعَلِّمٌ أَوْ وَرَّاقٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَ يُعَلِّمُ أَوْ يَكْتُبُ بِأَجْرٍ يُكْرَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ لَكِنْ اسْتَدَلَّ فِي الْقُنْيَةِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ» (قَوْلُهُ وَيُوزَرُ) بِسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَ الْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ مِنْ الْوِزْرِ، وَهُوَ الْإِثْمُ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ مَوْزُورٌ بِلَا هَمْزٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» ، لِلِازْدِوَاجِ وَلَوْ أَفْرَدَ لَقِيلَ مَوْزُورَاتٍ اهـ وَلَوْ قَالَ فَيُوزَرُ بِالْفَاءِ لَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَامَ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ قُبَيْلَ فَصْلِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ " وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَقُومَ بَيْنَ يَدَيْ الْعَالِمِ تَعْظِيمًا لَهُ أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ اهـ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْقِيَامِ لِقُدُومِهِ تَعْظِيمًا فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ ش (قَوْلُهُ وَجَوَّزَ نَقْلَ الْمَيِّتِ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ هُنَا وَالْبَعْضُ فَاعِلُ جَوَّزَ وَالْمُرَادُ قَبْلَ الدَّفْنِ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِنْ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا بَعْدَ الدَّفْنِ أَيْضًا رَادًّا عَلَى الطَّرَسُوسِيِّ، قَالَ الشَّارِحُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْخِلَافِ لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ مَعَ الطَّرَسُوسِيِّ اهـ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِيمَا بَعْدَ الدَّفْنِ.
(قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ قَصُرَتْ (قَوْلُهُ وَعَنْ بَعْضِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: نَقْلُ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ قَبْلَ الدَّفْنِ لَا يُكْرَهُ وَبَعْدَهُ يَحْرُمُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَقَبْلَهُ يُكْرَهُ أَيْضًا إلَّا قَدْرَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ، وَنَقْلُ الْكَلِيمِ الصِّدِّيقَ - عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرِيعَةٌ مُتَقَدِّمَةٌ مَنْسُوخَةٌ أَوْ رِعَايَةٌ لِوَصِيَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهِيَ لَازِمَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute