(لَا) سَتْرُهَا (عَنْ نَفْسِهِ) بِهِ يُفْتَى، فَلَوْ رَآهَا مِنْ زِيقِهِ لَمْ تَفْسُدْ وَإِنْ كُرِهَ.
(وَعَادِمُ سَاتِرٍ) لَا يَصِفُ مَا تَحْتَهُ، وَلَا يَضُرُّ الْتِصَاقُهُ وَتَشَكُّلُهُ وَلَوْ حَرِيرًا أَوْ طِينًا يَبْقَى إلَى تَمَامِ صَلَاةٍ أَوْ مَاءً كَدِرًا إلَّا صَافِيًا إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ.
ــ
[رد المحتار]
ذَلِكَ السَّتْرُ الْمَشْرُوطُ حُكْمًا، وَإِذَا سَتَرَ الْعَوْرَةَ فِي الظُّلْمَةِ بِثَوْبٍ كَانَ ذَلِكَ سَتْرًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا لَا فِي حُكْمِ الشَّرْعِ فَقَطْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ نَصًّا أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ رَآهَا مِنْ زِيقِهِ) أَيْ وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ نَظَرَ رَآهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَزِيقُ الْقَمِيصِ بِالْكَسْرِ: مَا أَحَاطَ بِالْعُنُقِ مِنْهُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كُرِهَ) لِقَوْلِهِ فِي السِّرَاجِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَزُرَّهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ «سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أُصَلِّي فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: زُرَّهُ عَلَيْك وَلَوْ بِشَوْكَةٍ» بَحْرٌ. وَمُفَادَةُ الْوُجُوبُ الْمُسْتَلْزِمُ تَرْكَهُ لِلْكَرَاهَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ نَصِّهِمَا عَلَى أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ، فَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ، كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ لَا يَصِفُ مَا تَحْتَهُ) بِأَنْ لَا يُرَى مِنْهُ لَوْنُ الْبَشَرَةِ احْتِرَازًا عَنْ الرَّقِيقِ وَنَحْوِ الزُّجَاجِ (قَوْلُهُ وَلَا يَضُرُّ الْتِصَاقُهُ) أَيْ بِالْأَلْيَةِ مَثَلًا، وَقَوْلُهُ وَتَشَكُّلُهُ مِنْ عَطْفِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: أَمَّا لَوْ كَانَ غَلِيظًا لَا يُرَى مِنْهُ لَوْنُ الْبَشَرَةِ إلَّا أَنَّهُ الْتَصَقَ بِالْعُضْوِ وَتَشَكَّلَ بِشَكْلِهِ فَصَارَ شَكْلُ الْعُضْوِ مَرْئِيًّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ جَوَازَ الصَّلَاةِ لِحُصُولِ السَّتْرِ. اهـ. قَالَ ط: وَانْظُرْ هَلْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى ذَلِكَ الْمُتَشَكِّلِ مُطْلَقًا أَوْ حَيْثُ وُجِدَتْ الشَّهْوَةُ؟ . اهـ. قُلْت: سَنَتَكَلَّمُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَاكَ هُوَ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَرِيرًا) تَعْمِيمٌ لِلسَّاتِرِ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ لِأَنَّ فَرْضَ السَّتْرِ أَقْوَى مِنْ مَنْعِ لُبْسِ الْحَرِيرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مَاءً كَدِرًا) أَيْ بِحَيْثُ لَا تُرَى مِنْهُ الْعَوْرَةُ (قَوْلُهُ إنْ وُجِدَ غَيْرُهُ) قَيْدٌ فِي عَدَمِ إجْزَاءِ السَّتْرِ بِالصَّافِي، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَجَبَ السَّتْرُ بِهِ، وَكَأَنَّهُ لِأَنَّ فِيهِ تَقْلِيلَ الِانْكِشَافِ اهـ ح. قُلْت: وَمَفْهُومُهُ أَيْضًا كَمَا اقْتَضَاهُ سِيَاقُ الْكَلَامِ فِي عَادِمِ السَّاتِرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْمَاءِ الْكَدِرِ إذَا وَجَدَ سَاتِرًا مَعَ أَنَّ كَلَامَ السِّرَاجِ وَالْبَحْرِ يُفِيدُ الْجَوَازَ مُطْلَقًا، ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ النَّهْرِ صَرَّحَ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّافِي وَغَيْرِهِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ لَهُ ثَوْبًا، إذَا الْعَادِمُ لَهُ يَسْتَوِي فِي حَقِّهِ الصَّافِي وَغَيْرُهُ اهـ لَكِنْ قَوْلُهُ يَسْتَوِي فِيهِ الصَّافِي وَغَيْرُهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ السَّتْرُ بِالْمَاءِ الْكَدِرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى سَاتِرٍ غَيْرِهِ صَارَ سَاتِرًا حَقِيقَةً فَيَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ سَاتِرٍ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَاءَ الصَّافِيَ غَيْرُ سَاتِرٍ وَإِلَّا لَجَازَ عِنْدَ عَدَمِ الْعَجْزِ. هَذَا، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَصْوِيرُ الصَّلَاةِ فِي الْمَاءِ إلَّا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَعَلَّلَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ ثَوْبٌ وَصَلَّى فِي الْمَاءِ الْكَدِرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيمَاءُ لِلْفَرْضِ: أَيْ لِقُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ خَارِجَ الْمَاءِ بِالثَّوْبِ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَلِي فِي الْكَلَامَيْنِ نَظَرٌ لِإِمْكَانِ تَصْوِيرِ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ فِي الْمَاءِ الْكَدِرِ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَدَنِهِ شَيْءٌ إذَا سَدَّ مَنَافِذَهُ، بَلْ مَا يَفْعَلُهُ الْغَطَّاسُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْغَرِيقِ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. أَقُولُ: إنْ فُرِضَ إمْكَانُ ذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ لَا يَبْقَى ذَلِكَ سَاتِرًا لِأَنَّهُ حِينَ سُجُودِهِ وَارْتِفَاعِ الْمَاءِ فَوْقَهُ لَا يَصِيرُ مَسْتُورًا، وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ صَلَّى عُرْيَانَا تَحْتَ خَيْمَةٍ مَسْتُورَةِ الْجَوَانِبِ كُلِّهَا أَوْ فِي مَكَان مُظْلِمٍ، أَوْ كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي كِيسٍ مَثَلًا وَصَلَّى فِيهِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ مِنْ الْكِيسِ وَصَلَّى لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَسْتُورًا، كَمَا لَوْ وَقَفَ فِي الْمَاءِ الْكَدِرِ وَرَأْسُهُ خَارِجٌ وَصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحَاوِي وَالزَّاهِدِيِّ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ مَا نَصُّهُ: وَالْمَرِيضُ إذَا لَمْ يُخْرِجْ رَأْسَهُ مِنْ اللِّحَافِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ كَالْعَارِي اهـ أَيْ إذَا صَلَّى تَحْتَ اللِّحَافِ وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ بِالْإِيمَاءِ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَسْتُورِ الْعَوْرَةِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا بَحَثْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِيسِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute