للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ مُكَمِّلَ الْفَرْضِ وَاجِبٌ وَمُكَمِّلُ الْوَاجِبِ سُنَّةٌ، وَعِنْدَ الثَّانِي الْأَرْبَعَةُ فَرْضٌ (وَالْقُعُودُ الْأَوَّلُ) وَلَوْ فِي نَفْلٍ فِي الْأَصَحِّ وَكَذَا تَرْكُ الزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى التَّشَهُّدِ، وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ غَيْرَ الْأَخِيرِ.

ــ

[رد المحتار]

أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ فِي الْفَيْضِ إنَّهُ الْأَحْوَطُ اهـ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَلِلْعَلَّامَةِ الْبِرْكِلِيِّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا مَعْدِلَ الصَّلَاةِ أَوْضَحَ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا غَايَةَ الْإِيضَاحِ، وَبَسَطَ فِيهَا أَدِلَّةَ الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ مِنْ الْآفَاتِ وَأَوْصَلَهَا إلَى ثَلَاثِينَ آفَةً وَمِنْ الْمَكْرُوهَاتِ الْحَاصِلَةِ فِي صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَأَوْصَلَهَا إلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مَكْرُوهًا، فَيَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا وَمُطَالَعَتُهَا (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَذَا فِي الرَّفْعِ مِنْهُمَا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ وُجُوبَ تَعْدِيلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ظَاهِرٌ مُوَافِقٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ مُكَمِّلٌ لَهُمَا، أَمَّا وُجُوبُ تَعْدِيلِ الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ وَالْجِلْسَةَ إذَا كَانَتَا وَاجِبَتَيْنِ عَلَى مَا أَخْتَارهُ الْكَمَالُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّعْدِيلُ فِيهِمَا سُنَّةً لِأَنَّ مُكَمِّلَ الْوَاجِبِ يَكُونُ سُنَّةً، فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَا تُوَافِقُ مُخْتَارَ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ الْوُجُوبُ فِي الْكُلِّ، وَلَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ الْفَرْضُ فِي الْكُلِّ، وَلَا مَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا السُّنِّيَّةُ فِي الْكُلِّ عَلَى تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ أَوْ الْوُجُوبُ فِي تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ، وَالسُّنِّيَّةُ فِي الْبَاقِي عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّهُ فَصَلَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ بَيْنَ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَبَيْنَ الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ، بِأَنَّ الْأُولَى مُكَمِّلَةٌ لِلرُّكْنِ الْمَقْصُودِ لِذَاتِهِ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالْأَخِيرَتَيْنِ مُكَمِّلَتَانِ لِلرُّكْنِ الْمَقْصُودُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الِانْتِقَالُ فَكَانَا سُنَّتَيْنِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمُكَمِّلَيْنِ اهـ فَافْهَمْ. وَأَجَابَ ح بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مُخَالَفَةُ الْقَاعِدَةِ حَيْثُ اقْتَضَاهَا الدَّلِيلُ.

أَقُولُ: عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْقَاعِدَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الدُّرَرِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَجْهُ صِحَّةٍ، قَالَ: وَلَعَلَّ مَنْشَأَهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ إكْمَالٌ لِلْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ إكْمَالٌ لِلْوَاجِبَاتِ وَالْآدَابِ إكْمَالٌ لِلسُّنَنِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ ذَلِكَ فَلْيُتَدَبَّرْ اهـ أَيْ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَاجِبَ شُرِعَ لِإِكْمَالٍ الْفَرَائِضِ إلَخْ لَا أَنَّ كُلَّ مَا يُكَمِّلُ الْفَرْضَ يَكُونُ وَاجِبًا وَهَكَذَا (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الثَّانِي الْأَرْبَعَةُ فَرْضٌ) أَيْ عَمَلِيٌّ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي آخِرِ بَحْثِ الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي نَفْلٍ) لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ حَتَّى افْتَرَضَتْ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِهِ، لَكِنَّ الْقَعْدَةَ إنَّمَا فُرِضَتْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ أَوَانَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ تَبْقَ الْقَعْدَةُ فَرِيضَةً؛ وَتَمَامُهُ فِي ح عَنْ وِتْرٍ الْبَحْرُ.

(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي افْتِرَاضِهِ عَنْ قَعْدَةِ كُلِّ شَفْعٍ نَفْلٍ وَلِلطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ فِي قَوْلِهِمَا إنَّهَا فِي غَيْرِ النَّفْلِ سُنَّةٌ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ اسْمَ السُّنَّةِ إمَّا لِأَنَّ وُجُوبَهُ عُرِفَ بِهَا أَوْ لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَةَ فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ، وَهَذَا يَقْتَضِي رَفْعَ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ وَكَذَا تَرْكُ الزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى التَّشَهُّدِ) ضَمِيرُ فِيهِ لَا يَصِحُّ إرْجَاعُهُ لِلتَّشَهُّدِ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ وَإِنْ كَانَ تَرْكُ الزِّيَادَةِ فِيهِ أَيْ فِي أَثْنَاءِ كَلِمَاتِهِ وَاجِبًا أَيْضًا كَتَرْكِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ أَيْ بَعْدَ تَمَامِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَيَتَعَيَّنُ مَا قَالَهُ ح مِنْ إرْجَاعِهِ لِلْقُعُودِ الْأَوَّلِ: أَيْ فِي الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لِأَنَّهَا فِي النَّفْلِ مَطْلُوبَةٌ، وَأَقَلُّ الزِّيَادَةِ الْمُفَوِّتَةِ لِلْوَاجِبِ مِقْدَارُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ فَقَطْ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي.

(قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ غَيْرَ الْأَخِيرِ) لِيَشْمَلَ مَا إذَا صَلَّى أَلْفَ رَكْعَةٍ مِنْ النَّفْلِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ مَا عَدَا الْقُعُودَ الْأَخِيرَ وَاجِبٌ، وَمَفْهُومُهُ فَرِيضَةُ كُلِّ قُعُودٍ أَخِيرٍ فِي أَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْقُعُودُ الَّذِي بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ، لِمَا سَيَأْتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>