وَلَوْ مِنْ مِثْلِهِ فِي نَحْوِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» فَمِنْ التَّعْلِيقِ بِمَعْلُومِ الْوُجُودِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُ، بَلْ يَحْصُلُ بِتَمَامِ الْفَاتِحَةِ بِدَلِيلِ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ»
(ثُمَّ) كَمَا فَرَغَ (يُكَبِّرُ) مَعَ الِانْحِطَاطِ (لِلرُّكُوعِ) .
وَلَا يُكْرَهُ وَصْلُ الْقِرَاءَةِ بِتَكْبِيرَةٍ، وَلَوْ بَقِيَ حَرْفٌ أَوْ كَلِمَةٌ فَأَتَمَّهُ حَالَ الِانْحِنَاءِ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْبَعْضِ. مُنْيَةُ الْمُصَلِّي (وَيَضَعُ يَدَيْهِ) مُعْتَمِدًا بِهِمَا (عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّجُ أَصَابِعَهُ) لِلتَّمَكُّنِ. وَيُسَنُّ أَنْ يُلْصِقَ كَعْبَيْهِ.
ــ
[رد المحتار]
أَيْ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى الْمَأْمُومِ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِبَهُ، وَقِيلَ لَا يُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ فِي السِّرِّيَّةِ وَلَوْ سَمِعَ الْإِمَامَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَا عِبْرَةَ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ مِثْلِهِ) أَيْ مِنْ مُقْتَدٍ مِثْلِهِ، بِأَنْ كَانَ مِثْلُهُ قَرِيبًا مِنْ الْإِمَامِ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ فَأَمَّنَ ذَلِكَ الْمُقْتَدِي تَأْمِينَ مِثْلِهِ الْقَرِيبِ مِنْ الْإِمَامِ فَيُؤَمِّنُ لِأَنَّ الْمَنَاطَ الْعِلْمُ بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فِي نَحْوِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ) أَشَارَ بِنَحْوٍ إلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ كَمَا وَقَعَ فِي الْجَوْهَرَةِ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا بَحَثَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِهِمَا بَلْ الْحُكْمُ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ أَمَّا حَدِيثُ إلَخْ) هُوَ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَهُوَ مُفِيدُ تَأْمِينِهِمَا، لَكِنْ فِي حَقِّ الْإِمَامِ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُسَقْ لَهُ، وَفِي حَقِّ الْمَأْمُومِ بِالْعِبَارَةِ لِأَنَّهُ سِيقَ لِأَجْلِهِ بَحْرٌ، ثُمَّ مُرَادُ الشَّارِحِ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى جَهْرِ الْإِمَامِ بِالتَّأْمِينِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ تَأْمِينَهُمْ بِتَأْمِينِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَوْضِعَ التَّأْمِينِ مَعْلُومٌ فَإِذَا سَمِعَ لَفْظَةَ - {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧]- كَفَى لِأَنَّ الشَّارِعَ طَلَبَ مِنْ الْإِمَامِ التَّأْمِينَ بَعْدَهُ، فَصَارَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِمَعْلُومِ الْوُجُودِ، وَتَمَامِ الْأَدِلَّةِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ.
وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْإِمَامِ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ أَصْلًا لَا يُؤَمِّنُ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ مَوْضِعَ التَّأْمِينِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَسْمَعَ مِنْ مِثْلِهِ كَمَا مَرَّ فِي السِّرِّيَّةِ (قَوْلُهُ فَقُولُوا آمِينَ) تَمَامُ الْحَدِيثِ «فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ حِلْيَةٌ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ: الصَّحِيحُ الصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُوَافَقَةُ لِلْمَلَائِكَةِ فِي وَقْتِ التَّأْمِينِ، وَقِيلَ فِي الصِّفَةِ وَالْخُشُوعِ وَالْإِخْلَاصِ، ثُمَّ قِيلَ هُمْ الْحَفَظَةُ، وَقِيلَ غَيْرُهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ»
(قَوْلُهُ مَعَ الِانْحِطَاطِ) أَفَادَ أَنَّ السُّنَّةَ كَوْنُ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْخُرُورِ وَانْتِهَائِهِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ، وَقِيلَ إنَّهُ يُكَبِّرُ قَائِمًا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ إلَخْ) مِثَالُهُ أَنْ تَقُولَ - {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: ١١]- اللَّهُ أَكْبَرُ بِكَسْرِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ح. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَفِي قَوْلِهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ التَّكْبِيرَ بِالْقِرَاءَةِ وَهَذَا رُخْصَةٌ وَالْأَفْضَلُ الْوَصْلُ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ رُبَّمَا وَصَلْت وَرُبَّمَا تَرَكْت. اهـ.
وَذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة تَفْصِيلًا حَسَنًا؛ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ آخِرُ السُّورَةِ ثَنَاءً مِثْلُ - {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: ١١١]- فَالْوَصْلُ أَوْلَى وَإِلَّا فَالْفَصْلُ أَوْلَى مِثْلُ - {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: ٣]- فَيَقِفُ وَيَفْصِلُ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْبَعْضِ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا ثُمَّ كَمَا فَرَغَ يُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُتِمُّ الْقِرَاءَةَ جَمِيعَهَا وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا يَنْحَطُّ لِلرُّكُوعِ مُكَبِّرًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ فَيَكُونُ الشَّارِحُ قَدْ نَبَّهَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالثَّانِي ضَعِيفٌ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ وَأَلْطَفِ إشَارَةٍ؛ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ إهْمَالٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْكَمَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يُلْصِقَ كَعْبَيْهِ) قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ وَكَذَا فِي السُّجُودِ أَيْضًا وَسَبَقَ فِي السُّنَنِ أَيْضًا. اهـ. وَاَلَّذِي سَبَقَ هُوَ قَوْلُهُ وَإِلْصَاقُ كَعْبَيْهِ فِي السُّجُودِ سُنَّةٌ دُرٌّ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا سَبْقُ نَظَرٍ، فَإِنَّ شَارِحَنَا لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ لَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَلَا فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا فَافْهَمْ، نَعَمْ رُبَّمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ السُّنَّةُ فِي الرُّكُوعِ إلْصَاقَ الْكَعْبَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرُوا تَفْرِيجَهُمَا بَعْدَهُ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُمَا مُلْصَقَيْنِ فِي حَالَةِ السُّجُودِ أَيْضًا تَأَمَّلْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute