عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ الصَّارِفُ لِلْمُوَاظَبَةِ عَنْ الْوُجُوبِ (وَيَفْعَلُ فِي الْقُعُودِ الثَّانِي) الِافْتِرَاشَ (كَالْأَوَّلِ وَتَشَهَّدَ) أَيْضًا (وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَصَحَّ زِيَادَةُ فِي الْعَالَمِينَ
ــ
[رد المحتار]
وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُحِيطِ يُكْرَهُ السُّكُوتُ لِتَرْكِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ، فَالْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ سُنَّةٌ، لَكِنْ لَمَّا شُرِعَتْ عَلَى وَجْهِ الذِّكْرِ حَصَلَتْ السُّنَّةُ بِالتَّسْبِيحِ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، فَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ بِالنَّظَرِ إلَى التَّسْبِيحِ، وَسُنَّةٌ بِالنَّظَرِ إلَى السُّكُوتِ، حَتَّى لَوْ سَبَّحَ تَرَكَ الْأَفْضَلَ؛ وَلَوْ سَكَتَ أَسَاءَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ فَلَا يُكْرَهُ السُّكُوتُ لِثُبُوتِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، فَصَارَتْ الْقِرَاءَةُ أَفْضَلَ بِالنَّظَرِ إلَى التَّسْبِيحِ. وَإِلَى السُّكُوتِ، فَقَدْ اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْقِرَاءَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي سُنِّيَّتِهَا بِنَاءً عَلَى كَرَاهَةِ السُّكُوتِ وَعَدَمِهَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ أَوَّلًا: إنَّ الْفَاتِحَةَ سُنَّةٌ عَلَى الظَّاهِرِ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ؛ ثُمَّ مَشَى عَلَى خِلَافِهِ حَيْثُ اعْتَمَدَ التَّخْيِيرَ الثَّلَاثَةُ، فَزَادَ عَلَى الْمُصَنِّفِ السُّكُوتَ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا بِهِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْفَرِيدَ، وَمَا نَقَلْته عَنْ الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ رَأَيْته فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا، وَذَكَرْت نُصُوصَهَا فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ، فَلَا تَعْتَمِدُ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهَا مُخَالِفًا لِذَلِكَ فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْفَاتِحَةِ لَا يُنَافِي التَّخْيِيرَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْأَفْضَلِ كَالْحَلْقِ مَعَ التَّقْصِيرِ.
[تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتُونِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْفَاتِحَةَ مَقْرُوءَةٌ عَلَى وَجْهِ الْقُرْآنِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا إنَّهَا تُقْرَأُ بِنِيَّةِ الثَّنَاءِ لَا الْقِرَاءَةِ. اهـ. وَنُقِلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ قَالَ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُسَبِّحُ: وَلَا يَسْكُتُ، وَإِذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَعَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ لَا الْقِرَاءَةِ، وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ. وَفِي الْحِلْيَةِ: لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّارِفُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ حَدِيثَ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» يُفِيدُ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ بِلَا تَرْكِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ أَنَّ التَّخْيِيرَ الْمَرْوِيَّ صَارِفٌ لَهَا عَنْ الْوُجُوبِ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمَرْفُوعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى الْعَيْنِيِّ وَابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ الِافْتِرَاشَ) إنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِلْإِشَارَةِ إلَى نَفْيِ الْقَوْلِ بِالتَّوَرُّكِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَإِلَّا فَأَحْكَامُ الْقُعُودِ لَا تَخْتَصُّ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْمُخْتَارُ فِي صِفَتِهَا مَا فِي الْكِفَايَةِ وَالْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَصَحَّ زِيَادَةُ فِي الْعَالَمِينَ) أَيْ مَرَّةً وَاحِدَةً بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا بَارَكْت إلَخْ. وَأَمَّا بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت فَلَمْ تَثْبُتْ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَفِي إفْصَاحِ ابْنِ هُبَيْرَةَ حِكَايَةُ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ بِزِيَادَةِ فِي الْعَالَمِينَ بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا بَارَكْت، وَهُوَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ. وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ الْإِفْصَاحِ زِيَادَةُ فِي الْعَالَمِينَ بَعْدَ كَمَا صَلَّيْت أَيْضًا، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ، لَكِنْ لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ مَنْ رَوَاهَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مَنْ خَرَّجَهَا مِنْ الْحُفَّاظِ وَلَا ثُبُوتُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute