وَتَكْرَارُ " إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ " وَعَدَمُ كَرَاهَةِ التَّرَحُّمِ وَلَوْ ابْتِدَاءً. وَنُدِبَ السِّيَادَةُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْإِخْبَارِ بِالْوَاقِعِ عَيْنُ سُلُوكِ الْأَدَبِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ، ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ؛
ــ
[رد المحتار]
وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا حَيْثُ عَبَّرَ بِالزِّيَادَةِ لَا بِالتَّكْرَارِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَكْرَارُ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ مَرَّةً فِي آخِرِهَا فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ فِي الذَّخِيرَةِ نَقَلَهَا عَنْ مُحَمَّدٍ مُكَرَّرَةً وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَذَلِكَ. مَطْلَبٌ فِي جَوَازِ التَّرَحُّمِ عَلَى النَّبِيِّ ابْتِدَاءً
(قَوْلُهُ وَعَدَمُ كَرَاهَةِ التَّرَحُّمِ) عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ صَحَّ؛ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ نَدْبُهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي صَلَاةِ التَّشَهُّدِ، وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْإِتْيَانُ بِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَوْلَى. وَقَالَ فِي الْفَيْضِ: فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ احْتِيَاطًا، وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلرَّمْلِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: وَزِيَادَةُ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ كَمَا رَحِمْت عَلَى إبْرَاهِيمَ بِدْعَةٌ. وَاعْتُرِضَ بِوُرُودِهَا فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ صَحَّحَ الْحَاكِمُ بَعْضَهَا " وَتَرَحَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ " وَرَدَّهُ بَعْضُ مُحَقِّقِي أَهْلِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ مَا وَقَعَ لِلْحَاكِمِ وَهْمٌ، وَبِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً لَكِنَّهَا شَدِيدَةُ الضَّعْفِ فَلَا يُعْمَلُ بِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَنِّ بَعْدَ أَنْ سَاقَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ وَبَيَّنَ ضَعْفَهَا؛ وَلَعَلَّ الْمَنْعَ أَرْجَحُ لِضَعْفِ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ: أَيْ لِشِدَّةِ ضَعْفِهَا.
وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ سَبَبَ الْإِنْكَارِ كَوْنُ الدُّعَاءِ بِالرَّحْمَةِ لَمْ يَثْبُتْ هُنَا مِنْ طَرِيقٍ يُعْتَدُّ بِهِ، وَالْبَابُ بَابُ اتِّبَاعٍ، لَا مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُدْعَى لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظِ الرَّحْمَةِ، فَإِنْ أَرَادَ النَّافِي امْتِنَاعَ ذَلِكَ مُطْلَقًا فَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ صَرِيحَةٌ فِي رَدِّهِ فَقَدْ صَحَّ فِي سَائِرِ رِوَايَاتِ التَّشَهُّدِ " السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ " وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّ مَنْ قَالَ " ارْحَمْنِي وَارْحَمْ مُحَمَّدًا " وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ سِوَى قَوْلِهِ " وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا " وَحُصُولُهَا لَا يَمْنَعُ طَلَبَهَا لَهُ كَالصَّلَاةِ وَالْوَسِيلَةِ وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ لِمَا فِيهِ مِنْ عَوْدِ الْفَائِدَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزِيَادَةِ تَرَقِّيه الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَالدَّاعِي بِزِيَادَةِ ثَوَابِهِ عَلَى ذَلِكَ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّرَحُّمَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَمْ يَثْبُتْ وَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ فِي غَيْرِهِ، فَكَانَ جَائِزًا فِي نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ابْتِدَاءً) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَبَعِيَّتِهِ لِصَلَاةٍ أَوْ سَلَامٍ. وَذُكِرَ فِي الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الِابْتِدَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ فِي آخِرِ الْكِتَابِ تَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ، فَإِنَّهُ قَالَ اخْتَلَفُوا فِي التَّرَحُّمِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ كَالصَّلَاةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَزِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ لِوُرُودِهِ فِي الْأَثَرِ وَلَا عَتْبَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَنَا أَقُولُ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا لِلتَّوَارُثِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِتَفْسِيرِهِمْ الصَّلَاةَ بِالرَّحْمَةِ؛ وَاللَّفْظَانِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الدَّلَالَةِ صَحَّ قِيَامُ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ، وَلِذَا أَقَرَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأَعْرَابِيُّ عَلَى قَوْلِهِ " اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا ". اهـ. فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِهِ عَلَى مِنْهَاجِ النَّوَوِيِّ. وَنَصُّهُ: وَالْأَفْضَلُ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ السِّيَادَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ ظَهِيرِيَّةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ، وَبِهِ أَفْتَى الشَّارِحُ لِأَنَّ فِيهِ الْإِتْيَانَ بِمَا أُمِرْنَا بِهِ، وَزِيَادَةُ الْإِخْبَارِ بِالْوَاقِعِ الَّذِي هُوَ أَدَبٌ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِي أَفْضَلِيَّتِهِ الْإِسْنَوِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ: لَا تُسَيِّدُونِي فِي الصَّلَاةِ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحُفَّاظِ، وَقَوْلُ الطُّوسِيِّ إنَّهَا مُبْطِلَةٌ غَلَطٌ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute