وَاخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ التَّقْدِيرِ، وَأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ وَالْقَوْمِ وَالْإِمَامِ.
وَفِي الْحُجَّةِ: يَقْرَأُ فِي الْفَرْضِ بِالتَّرَسُّلِ حَرْفًا حَرْفًا، وَفِي التَّرَاوِيحِ بَيْنَ بَيْنَ، وَفِي النَّفْلِ لَيْلًا لَهُ أَنْ يُسْرِعَ بَعْدَ أَنْ يَقْرَأَ كَمَا يَفْهَمُ، وَيَجُوزُ بِالرِّوَايَاتِ السَّبْعِ، لَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْرَأَ بِالْغَرِيبَةِ عِنْدَ الْعَوَامّ صِيَانَةً لِدِينِهِمْ
(وَتُطَالُ أُولَى الْفَجْرِ عَلَى ثَانِيَتِهَا)
ــ
[رد المحتار]
وَالْكَنْزِ وَالْمَجْمَعِ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَحَصْرُ الْمَقْرُوءِ بِعَدَدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ مِمَّا عَلِمْته مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْحِلْيَةِ فَإِنَّهُ لَوْ قَرَأَ فِي الْفَجْرِ أَوْ الظُّهْرِ سُورَتَيْنِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ يَزِيدَانِ عَلَى مِائَةِ آيَةٍ كَالرَّحْمَنِ وَالْوَاقِعَةِ، أَوْ قَرَأَ فِي الْعَصْرِ أَوْ الْعِشَاءِ سُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ تَزِيدَانِ عَلَى عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ آيَةً كَالْغَاشِيَةِ وَالْفَجْرِ يَكُونُ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ عَلَى مَا فِي الْمُتُونِ لَا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَا تَحْصُلُ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ إلَّا إذَا كَانَتْ السُّورَتَانِ مُوَافِقًا لِلْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، وَيَلْزَمُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْمِقْدَارَ الْمُعَيَّنَ سُنَّةٌ أُخْرَى أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ السُّورَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ خَارِجَةً عَنْ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ يَقْتَصِرَ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ مِنْهُمَا عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِي رَكْعَةٍ الْفَاتِحَةُ وَسُورَةٌ تَامَّةٌ، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْمَصِيرُ إلَيْهِ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ مُتَخَالِفَتَانِ اخْتَارَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ إحْدَاهُمَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْفَجْرِ حَضَرًا أَرْبَعُونَ آيَةً أَوْ سِتُّونَ، ثُمَّ قَالَ: وَاسْتَحْسَنُوا طِوَالَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا وَفِي الظُّهْرِ إلَخْ.
فَذَكَرَ أَنَّ الثَّانِيَ اسْتِحْسَانٌ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى لِتَأَيُّدِهِ بِالْأَثَرِ الْوَارِدِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ كَالْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ التَّقْدِيرِ إلَخْ) وَعَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ رَمْلِيٌّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ لِكُلِّ أَحَدٍ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ، كَمَا يُفِيدُهُ تَمَامُ الْعِبَارَةِ، بَلْ تَارَةً يَقْتَصِرُ عَلَى أَدْنَى مَا وَرَدَ كَأَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ فِي الْفَجْرِ، أَوْ أَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِهِ عِنْدَ ضِيقِ وَقْتٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ، «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الْفَجْرِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ لَمَّا سَمِعَ بُكَاءَ صَبِيٍّ خَشْيَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» وَتَارَةً يَقْرَأُ أَكْثَرَ مَا وَرَدَ إذَا لَمْ يَمَلَّ الْقَوْمُ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلْغَاءَ الْوَارِدِ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: وَالْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ مِقْدَارَ مَا يَخِفُّ عَلَى الْقَوْمِ وَلَا يَثْقُلُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّمَامِ، وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْإِمَامُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ حُسْنُ صَوْتِهِ وَقُبْحُهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْحُجَّةِ) اسْمُ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ بَيْنَ بَيْنَ) أَيْ بِأَنْ تَكُونَ بَيْنَ التَّرَسُّلِ وَالْإِسْرَاعِ (قَوْلُهُ لَيْلًا) لَعَلَّ وَجْهَ التَّقَيُّدُ بِهِ أَنَّ عَادَةَ الْمُتَهَجِّدِينَ كَثْرَةُ الْقِرَاءَةِ فِي تَهَجُّدِهِمْ فَلَهُمْ الْإِسْرَاعُ لِيُحَصِّلُوا وِرْدَهُمْ مِنْ الْقِرَاءَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا يُفْهَمُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يَمُدَّ أَقَلَّ مَدٍّ قَالَ بِهِ الْقُرَّاءُ وَإِلَّا حَرُمَ لِتَرْكِ التَّرْتِيلِ الْمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا ط (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بِالرِّوَايَاتِ السَّبْعِ) بَلْ يَجُوزُ بِالْعَشْرِ أَيْضًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْأُصُولِ ط (قَوْلُهُ بِالْغَرِيبَةِ) أَيْ بِالرِّوَايَاتِ الْغَرِيبَةِ وَالْإِمَالَاتِ لِأَنَّ بَعْضَ السُّفَهَاءِ يَقُولُونَ مَا لَا يَعْلَمُونَ فَيَقَعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالشَّقَاءِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْأَئِمَّةِ أَنْ يَحْمِلُوا الْعَوَامَّ عَلَى مَا فِيهِ نُقْصَانُ دِينِهِمْ، وَلَا يَقْرَأْ عِنْدَهُ قِرَاءَةَ أَبِي جَعْفَرٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَعَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ صِيَانَةً لِدِينِهِمْ فَلَعَلَّهُمْ يَسْتَخِفُّونَ أَوْ يَضْحَكُونَ وَإِنْ كَانَ كُلُّ الْقِرَاءَاتِ وَالرِّوَايَاتِ صَحِيحَةً فَصَيْحَةً، وَمَشَايِخُنَا اخْتَارُوا قِرَاءَةَ أَبِي عَمْرٍو وَحَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ اهـ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ فَتَاوَى الْحُجَّةِ
(قَوْلُهُ وَتُطَالُ إلَخْ) أَيْ يُطِيلُهَا الْإِمَامُ وَهِيَ مَسْنُونَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute