وَإِنْشَادُ ضَالَّةٍ أَوْ شِعْرٍ إلَّا مَا فِيهِ ذِكْرٌ
وَرَفْعُ صَوْتٍ بِذِكْرٍ إلَّا لِلْمُتَفَقِّهَةِ وَالْوُضُوءُ فِيمَا أُعِدَّ لِذَلِكَ
وَغَرْسُ الْأَشْجَارِ إلَّا لِنَفْعٍ
ــ
[رد المحتار]
{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: ٥٥]- ط
(قَوْلُهُ وَإِنْشَادُ ضَالَّةٍ) هِيَ الشَّيْءُ الضَّائِعُ وَإِنْشَادُهَا السُّؤَالُ عَنْهَا. وَفِي الْحَدِيثِ «إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ» . مَطْلَبٌ فِي إنْشَادِ الشِّعْرِ
(قَوْلُهُ أَوْ شِعْرٍ إلَخْ) قَالَ فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ: الْعِشْرُونَ أَيْ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ الشِّعْرُ سُئِلَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «كَلَامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ» وَمَعْنَاهُ أَنَّ الشِّعْرَ كَالنَّثْرِ يُحْمَدُ حِينَ يُحْمَدُ وَيُذَمُّ حِينَ يُذَمُّ. وَلَا بَأْسَ بِاسْتِمَاعِ نَشِيدِ الْأَعْرَابِ، وَهُوَ إنْشَادُ الشِّعْرِ مِنْ غَيْرِ لَحْنٍ. وَيَحْرُمُ هَجْوُ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِمَا فِيهِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْوَعْظِ وَالْحِكَمِ وَذِكْرِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةِ الْمُتَّقِينَ فَهُوَ حَسَنٌ، وَمَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْأَطْلَالِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأُمَمِ فَمُبَاحٌ، وَمَا كَانَ مِنْ هَجْوٍ وَسُخْفٍ فَحَرَامٌ، وَمَا كَانَ مِنْ وَصْفِ الْخُدُودِ وَالْقُدُودِ وَالشُّعُورِ فَمَكْرُوهٌ كَذَا فَصَّلَهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَمَنْ كَثُرَ إنْشَادُهُ وَإِنْشَاؤُهُ حِينَ تَنْزِلُ بِهِ مُهِمَّاتُهُ وَيَجْعَلُهُ مَكْسَبَةً لَهُ تَنْقُصُ مُرُوءَتُهُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ. اهـ. وَقَدَّمْنَا بَقِيَّةَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ قَبْلَ رَسْمِ الْمُفْتِي،
هَذَا، وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَجْمَعِ الْآثَارِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تُنْشَدَ الْأَشْعَارُ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنْ تُبَاعَ فِيهِ السِّلَعُ، وَأَنْ يُتَحَلَّقَ فِيهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ» ، ثُمَّ وَفَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا وَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا يَنْشُدُ عَلَيْهِ الشِّعْرَ» ، بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَهْجُوهُ بِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ ضَرَرٌ، أَوْ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ مَنْ فِيهِ مُتَشَاغِلًا بِهِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ الْبَيْعِ فِيهِ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ كَالسُّوقِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْهَ عَلِيًّا عَنْ خَصْفِ النَّعْلِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ النَّاسُ لِخَصْفِ النِّعَالِ فِيهِ كَرِهَ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ وَإِنْشَادُ الشِّعْرِ، وَالتَّحَلُّقُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَمَا غَلَبَ عَلَيْهِ كُرِهَ وَمَا لَا فَلَا. اهـ.
مَطْلَبٌ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ
(قَوْلُهُ وَرَفْعُ صَوْتٍ بِذِكْرٍ إلَخْ) أَقُولُ: اضْطَرَبَ كَلَامُ صَاحِبِ الْبَزَّازِيَّةِ فِي ذَلِكَ؛ فَتَارَةً قَالَ: إنَّهُ حَرَامٌ، وَتَارَةً قَالَ إنَّهُ جَائِزٌ. وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ: جَاءَ فِي الْحَدِيثِ بِهِ اقْتَضَى طَلَبَ الْجَهْرِ بِهِ نَحْوُ " «وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَهُنَاكَ أَحَادِيثُ اقْتَضَتْ طَلَبَ الْإِسْرَارِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ كَمَا جُمِعَ بِذَلِكَ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ بِالْقِرَاءَةِ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ حَدِيثُ «خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ» لِأَنَّهُ حَيْثُ خِيفَ الرِّيَاءُ أَوْ تَأَذِّي الْمُصَلِّينَ أَوْ النِّيَامِ، فَإِنْ خَلَا مِمَّا ذُكِرَ؛ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ الْجَهْرَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَلِتَعَدِّي فَائِدَتِهِ إلَى السَّامِعِينَ، وَيُوقِظُ قَلْبَ الذَّاكِرِ فَيَجْمَعُ هَمَّهُ إلَى الْفِكْرِ، وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إلَيْهِ، وَيَطْرُدُ النَّوْمَ، وَيَزِيدُ النَّشَاطَ. اهـ. مُلَخَّصًا، وَتَمَامُ الْكَلَامِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ. وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْإِمَامِ الشَّعْرَانِيِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ سَلَفًا وَخَلَفًا عَلَى اسْتِحْبَابِ ذِكْرِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُشَوِّشَ جَهْرُهُمْ عَلَى نَائِمٍ أَوْ مُصَلٍّ أَوْ قَارِئٍ إلَخْ (قَوْلُهُ وَالْوُضُوءُ) لِأَنَّ مَاءَهُ مُسْتَقْذَرٌ طَبْعًا فَيَجِبُ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْهُ، كَمَا يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ الْمُخَاطِ وَالْبَلْغَمِ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ إلَّا فِيمَا أُعِدَّ. لِذَلِكَ) اُنْظُرْ هَلْ يُشْتَرَطُ إعْدَادُ ذَلِكَ مِنْ الْوَاقِفِ أَمْ لَا: وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ الْفَتَاوَى الْعَفِيفِيَّةِ: وَلَا يُظَنُّ أَنَّ مَا حَوْلَ بِئْرِ زَمْزَمَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ أَوْ الْغُسْلُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute