كَتَقْلِيلِ نَزٍّ، وَتَكُونُ لِلْمَسْجِدِ
وَأَكْلٌ، وَنَوْمٌ إلَّا لِمُعْتَكِفٍ وَغَرِيبٍ، وَأَكْلُ نَحْوِ ثُومٍ، وَيُمْنَعُ مِنْهُ؛ وَكَذَا كُلُّ
ــ
[رد المحتار]
الْجَنَابَةِ فِيهِ لِأَنَّ حَرِيمَ زَمْزَمَ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ، فَيُعَامَلُ بِمُعَامَلَتِهَا: مِنْ تَحْرِيمِ الْبُصَاقِ، وَالْمُكْثِ مَعَ الْجَنَابَةِ فِيهِ، وَمِنْ حُصُولِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ، وَاسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الْيُمْنَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّاخِلَ مِنْ مَسْجِدٍ لِمَسْجِدٍ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ. اهـ.
(قَوْلُهُ كَتَقْلِيلِ نَزٍّ) النَّزُّ: بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَبِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ، مَا يَتَحَلَّبُ مِنْ الْأَرْضِ مِنْ الْمَاءِ، يُقَالُ: نَزَّتْ الْأَرْضُ صَارَتْ ذَاتَ نَزٍّ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ. مَطْلَبُ فِي الْغَرْسِ فِي الْمَسْجِدِ
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: غَرْسُ الْأَشْجَارِ فِي الْمَسْجِدِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ لِلْمَسْجِدِ، بِأَنْ كَانَ الْمَسْجِدُ ذَا نَزٍّ وَالْأُسْطُوَانَاتُ لَا تَسْتَقِرُّ بِدُونِهَا وَبِدُونِ هَذَا لَا يَجُوزُ. اهـ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْغَرَائِبِ: إنْ كَانَ لِنَفْعِ النَّاسِ بِظِلِّهِ، وَلَا يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ، وَلَا يُفَرِّقُ الصُّفُوفَ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ بِوَرَقِهِ أَوْ ثَمَرِهِ أَوْ يُفَرِّقُ الصُّفُوفَ، أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تَقَعُ بِهِ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الْبِيعَةِ وَالْمَسْجِدِ يُكْرَهُ. اهـ.
هَذَا، وَقَدْ رَأَيْت رِسَالَةً لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ بِخَطِّهِ مُتَعَلِّقَةً بِغِرَاسِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى رَدَّ فِيهَا عَلَى مَنْ أَفْتَى بِجَوَازِهِ فِيهِ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ غَرَسَ شَجَرَةً لِلْمَسْجِدِ فَثَمَرَتُهَا لِلْمَسْجِدِ، فَرَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ حِلُّ الْغَرْسِ إلَّا لِلْعُذْرِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ فِيهِ شَغْلَ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ وَاسِعًا أَوْ كَانَ فِي الْغَرْسِ نَفْعٌ بِثَمَرَتِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ إيجَارُ قِطْعَةٍ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ إبْقَاؤُهُ أَيْضًا، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» لِأَنَّ الظُّلْمَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَهَذَا كَذَلِكَ إلَخْ مَا أَطَالَ بِهِ. وَرَأَيْت فِي آخِرِ الرِّسَالَةِ بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ الشَّافِعِيُّ
(قَوْلُهُ وَأَكْلٌ وَنَوْمٌ إلَخْ) وَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ، فَيَدْخُلَ وَيَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَدْرِ مَا نَوَى، أَوْ يُصَلِّيَ ثُمَّ يَفْعَلَ مَا شَاءَ فَتَاوَى هِنْدِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَأَكْلُ نَحْوِ ثُومٍ) أَيْ كَبَصَلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي النَّهْيِ عَنْ قُرْبَانِ آكِلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ الْمَسْجِدَ. قَالَ الْإِمَامُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قُلْت: عِلَّةُ النَّهْيِ أَذَى الْمَلَائِكَةِ وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَخْتَصُّ بِمَسْجِدِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، بَلْ الْكُلُّ سَوَاءٌ لِرِوَايَةِ مَسَاجِدِنَا بِالْجَمْعِ، خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ وَيَلْحَقُ بِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ كُلُّ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ الثُّومَ هُنَا بِالذِّكْرِ وَفِي غَيْرِهِ أَيْضًا بِالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ لِكَثْرَةِ أَكْلِهِمْ لَهَا، وَكَذَلِكَ أَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ مَنْ بِفِيهِ بَخَرٌ أَوْ بِهِ جُرْحٌ لَهُ رَائِحَةٌ، وَكَذَلِكَ الْقَصَّابُ، وَالسَّمَّاكُ، وَالْمَجْذُومُ وَالْأَبْرَصُ أَوْلَى بِالْإِلْحَاقِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا أَرَى الْجُمُعَةَ عَلَيْهِمَا. وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ وَأَلْحَقَ بِالْحَدِيثِ كُلُّ مَنْ آذَى النَّاسَ بِلِسَانِهِ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ أَصْلٌ فِي نَفْيِ كُلِّ مَنْ يُتَأَذَّى بِهِ. وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُعْذَرَ الْمَعْذُورُ بِأَكْلِ مَا لَهُ رِيحٌ كَرِيهَةٌ، لِمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ «الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ انْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ مِنِّي رِيحَ الثُّومِ فَقَالَ: مَنْ أَكَلَ الثُّومَ، فَأَخَذْتُ يَدَهُ فَأَدْخَلْتهَا فَوَجَدَ صَدْرِي مَعْصُوبًا، فَقَالَ: إنَّ لَك عُذْرًا» وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ «اشْتَكَيْت صَدْرِي فَأَكَلْته» وَفِيهِ: فَلَمْ يُعَنِّفْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ» صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَكْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عُذْرٌ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ. وَأَيْضًا هُنَا عِلَّتَانِ: أَذَى الْمُسْلِمِينَ وَأَذَى الْمَلَائِكَةِ؛ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأُولَى يُعْذَرُ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَحُضُورِ الْمَسْجِدِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِيَةِ يُعْذَرُ فِي تَرْكِ حُضُورِ الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَ وَحْدَهُ اهـ مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: كَوْنُهُ يُعْذَرُ بِذَلِكَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا أَكَلَ ذَلِكَ بِعُذْرٍ أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا قُرْبَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute