لَكِنْ فِي غَيْرِ صَالِحٍ) أَوْ كَنَحْوِ جَزِيرَةٍ أَوْ نَوَى فِيهِ لَكِنْ (بِمَوْضِعَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ كَمَكَّةَ وَمِنًى) فَلَوْ دَخَلَ الْحَاجُّ مَكَّةَ أَيَّامَ الْعَشْرِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ إلَى مِنًى وَعَرَفَةَ فَصَارَ كَنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَبَعْدَ عَوْدِهِ مِنْ مِنًى تَصِحُّ كَمَا لَوْ نَوَى مَبِيتَهُ بِأَحَدِهِمَا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ بِحَيْثُ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى سَاكِنِهِ لِلِاتِّحَادِ حُكْمًا (أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا بِرَأْيِهِ) كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ (أَوْ دَخَلَ بَلْدَةً وَلَمْ يَنْوِهَا) أَيْ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ (بَلْ تَرَقَّبَ السَّفَرَ) غَدًا أَوْ بَعْدَهُ (وَلَوْ بَقِيَ) عَلَى ذَلِكَ (سِنِينَ) إلَّا أَنْ يَعْلَمَ تَأَخُّرَ الْقَافِلَةِ نِصْفَ شَهْرٍ كَمَا مَرَّ
(وَكَذَا)
ــ
[رد المحتار]
فِي نِصْفِ شَهْرٍ (قَوْلُهُ كَبَحْرٍ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَالْمَلَّاحُ مُسَافِرٌ إلَّا عِنْدَ الْحَسَنِ وَسَفِينَتُهُ أَيْضًا لَيْسَتْ بِوَطَنٍ اهـ بَحْرٌ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مَالُهُ وَأَهْلُهُ مَعَهُ فِيهَا ثُمَّ رَأَيْته صَرِيحًا فِي الْمِعْرَاجِ.
(قَوْلُهُ أَوْ جَزِيرَةٍ) أَيْ لَيْسَ لَهَا أَهْلٌ يَسْكُنُونَهَا.
(قَوْلُهُ أَوْ نَوَى فِيهِ) أَيْ فِي صَالِحٍ لَهَا (قَوْلُهُ بِمَوْضِعَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ) لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِصْرَيْنِ وَالْقَرْيَتَيْنِ وَالْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ دَخَلَ إلَخْ) هُوَ ضِدُّ مَسْأَلَةِ دُخُولِ الْحَاجِّ الشَّامَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ وَهَذَا مُسَافِرٌ حُكْمًا وَإِنْ نَوَى الْإِقَامَةَ لِعَدَمِ انْقِضَاءِ سَفَرِهِ مَا دَامَ عَازِمًا عَلَى الْخُرُوجِ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ.
قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَانَتْ سَبَبًا لِتَفَقُّهِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا بِطَلَبِ الْحَدِيثِ قَالَ: فَدَخَلْت مَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مَعَ صَاحِبٍ لِي وَعَزَمْت عَلَى الْإِقَامَةِ شَهْرًا فَجَعَلْت أُتِمُّ الصَّلَاةَ فَلَقِيَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ لِي: أَخْطَأْت فَإِنَّك تَخْرُجُ إلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا رَجَعْت مِنْ مِنًى بَدَا لِصَاحِبِي أَنْ يَخْرُجَ وَعَزَمْت عَلَى أَنْ أُصَاحِبَهُ، وَجَعَلْت أَقْصُرُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لِي صَاحِبُ أَبُو حَنِيفَةَ: أَخْطَأْت فَإِنَّك مُقِيمٌ بِمَكَّةَ فَمَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا لَا تَصِيرُ مُسَافِرًا، فَقُلْت: أَخْطَأَتْ فِي مَسْأَلَةٍ فِي مَوْضِعَيْنِ فَرَحَلْت إلَى مَجْلِسِ مُحَمَّدٍ وَاشْتَغَلْت بِالْفِقْهِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذِهِ الْحِكَايَةَ لِيَعْلَمَ مَبْلَغَ الْعِلْمِ فَيَصِيرَ مَبْعَثَةً لِلطَّلَبَةِ عَلَى طَلَبِهِ. اهـ. بَحْرٌ.
أَقُولُ: وَيَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْحِكَايَةِ أَنَّ نِيَّتَهُ الْإِقَامَةَ لَمْ تَعْمَلْ عَمَلَهَا إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ لِوُجُودِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِلَا نِيَّةِ خُرُوجٍ فِي أَثْنَائِهَا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى عَرَفَاتٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَازِمًا عَلَى الْخُرُوجِ قَبْلَ تَمَامِ نِصْفِ شَهْرٍ لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَدَّدَ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ وَبِهَذَا سَقَطَ مَا أَوْرَدَهُ الْعَلَّامَةُ الْقَارِي فِي شَرْحِ اللُّبَابِ مِنْ أَنَّ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِمَامِ تَعَارُضًا حَيْثُ حَكَمَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ مُسَافِرٌ وَثَانِيًا بِأَنَّهُ مُقِيمٌ مَعَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ بِحَالِهَا، وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْمُتُونِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى فِي إحْدَاهُمَا نِصْفَ شَهْرٍ صَحَّ فَحِينَئِذٍ لَا يَضُرُّهُ خُرُوجُهُ إلَى عَرَفَاتٍ إذْ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ نِصْفَ شَهْرٍ مُتَوَالِيًا بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَوَجْهُ السُّقُوطِ أَنَّ التَّوَالِي لَا يُشْتَرَطُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَزْمِهِ الْخُرُوجُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّهُ يَكُونُ نَاوِيًا الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ، نَعَمْ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِعَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ نِصْفَ شَهْرٍ فِي مَكَان وَاحِدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نَوَى مَبِيتَهُ بِأَحَدِهِمَا) فَإِنْ دَخَلَ أَوَّلًا الْمَوْضِعَ الَّذِي نَوَى الْمُقَامَ فِيهِ نَهَارًا لَا يَصِيرُ مُقِيمًا، وَإِنْ دَخَلَ أَوَّلًا مَا نَوَى الْمَبِيتَ فِيهِ يَصِيرُ مُقِيمًا ثُمَّ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمَوْضِعِ الْآخَرِ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا لِأَنَّ مَوْضِعَ إقَامَةِ الرَّجُلِ حَيْثُ يَبِيتُ بِهِ حِلْيَةٌ.
(قَوْلُهُ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ) كَالْقَرْيَةِ الَّتِي قَرُبَتْ مِنْ الْمِصْرِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ النِّدَاءَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ وَفِي الْبَحْرِ لَوْ كَانَ الْمَوْضِعَانِ مِنْ مِصْرٍ وَاحِدٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ لِأَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ إلَيْهِ مُسَافِرًا لَمْ يَقْصُرْ. اهـ. ط.
(قَوْلُهُ بِحَيْثُ تَجِبُ) حَيْثِيَّةُ تَفْسِيرٍ لِلتَّبَعِيَّةِ ح.
(قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِلًّا بِرَأْيِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهُ وَصُورَتُهُ نَوَى التَّابِعُ الْإِقَامَةَ وَلَمْ يَنْوِهَا الْمَتْبُوعُ أَوْ لَمْ يَدْرِ فَإِنَّهُ لَا يُتِمُّ. اهـ. ح وَالْمَسْأَلَةُ سَتَأْتِي مَعَ بَيَانِ شُرُوطِهَا وَالْخِلَافِ فِيهَا (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ بَلْدَةً) أَيْ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ انْتِظَارِ رُفْقَةٍ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْوِهَا) وَكَذَا إذَا نَوَاهَا وَهُوَ مُتَرَقِّبٌ لِلسَّفَرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ لِأَنَّ حَالَتَهُ تُنَافِي عَزِيمَتَهُ.
(قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ دُخُولِ الْحَاجِّ الشَّامَ