للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الْحُدُودِ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمُلْتَقَى.

وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: إذْنُ الْحَاكِمِ بِبِنَاءِ الْجَامِعِ فِي الرُّسْتَاقِ إذْنٌ بِالْجُمُعَةِ اتِّفَاقًا عَلَى مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْحُكْمُ صَارَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَلْيُحْفَظْ (أَوْ فِنَاؤُهُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ (وَهُوَ مَا) حَوْلَهُ (اتَّصَلَ بِهِ) أَوْ لَا

ــ

[رد المحتار]

ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ الْأَمِيرِ مَنْ يَحْرُسُ النَّاسَ وَيَمْنَعُ الْمُفْسِدِينَ وَيُقَوِّي أَحْكَامَ الشَّرْعِ كَذَا فِي الرَّقَائِقِ. وَحَاصِلُهُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَقْدِرُ إلَخْ) أَفْرَدَ الضَّمِيرَ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ لِعَوْدِهِ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّ ذَلِكَ وَظِيفَتُهُ بِخِلَافِ الْأَمِيرِ لِمَا مَرَّ، وَفِي التَّعْبِيرِ بِيَقْدِرُ رَدٌّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ كَمَا عَلِمْته. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الدَّهْلَوِيِّ لَيْسَ الْمُرَادُ تَنْفِيذَ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بِالْفِعْلِ؛ إذْ الْجُمُعَةُ أُقِيمَتْ فِي عَهْدِ أَظْلَمِ النَّاسِ وَهُوَ الْحَجَّاجُ وَإِنَّهُ مَا كَانَ يُنَفِّذُ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ، بَلْ الْمُرَادُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - اقْتِدَارُهُ عَلَى ذَلِكَ اهـ وَنُقِلَ مِثْلُهُ فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي.

أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِخْلَالُ بِتَنْفِيذِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ مُخِلًّا بِكَوْنِ الْبَلَدِ مِصْرًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَزِمَ أَنْ لَا تَصِحَّ جُمُعَةٌ فِي بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَلْ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ أَزْمَانٍ فَتَعَيَّنَ كَوْنُ الْمُرَادِ الِاقْتِدَارَ عَلَى تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي إرَادَةُ أَكْثَرِهِمَا وَإِلَّا فَقَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْحَاكِمِ الِاقْتِدَارُ عَلَى تَنْفِيذِ بَعْضِهَا لِمَنْعٍ مِمَّنْ وَلَّاهُ وَكَمَا يَقَعُ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ مِنْ تَعَصُّبِ سُفَهَاءِ الْبَلَدِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ عَلَى الْحَاكِمِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ فِيهِمْ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَنْفِيذِهَا فِي غَيْرِهِمْ وَفِي عَسْكَرِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا عَارِضٌ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَلِذَا لَوْ مَاتَ الْوَالِي أَوْ لَمْ يَحْضُرْ لِفِتْنَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ نَصَّبَ الْعَامَّةُ لَهُمْ خَطِيبًا لِلضَّرُورَةِ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّهُ لَا أَمِيرَ وَلَا قَاضِيَ ثَمَّةَ أَصْلًا وَبِهَذَا ظَهَرَ جَهْلُ مَنْ يَقُولُ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ مَعَ أَنَّهَا تَصِحُّ فِي الْبِلَادِ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْكُفَّارُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرْنَاهُ إلَخْ) هُوَ حَاصِلُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِلْمَتْنِ، وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ تَقَعُ فَرْضًا فِي الْقَصَبَاتِ وَالْقُرَى الْكَبِيرَةِ الَّتِي فِيهَا أَسْوَاقٌ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: هَذَا بِلَا خِلَافٍ إذَا أَذِنَ الْوَالِي أَوْ الْقَاضِي بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَأَدَاءِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ هَذَا مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْحُكْمُ صَارَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ فِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا قَاضٍ وَمِنْبَرٌ وَخَطِيبٌ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْكَرَاهَةُ لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بِالْجَمَاعَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْجَوَاهِرِ لَوْ صَلَّوْا فِي الْقُرَى لَزِمَهُمْ أَدَاءُ الظُّهْرِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حُكْمٌ، فَإِنَّ فِي فَتَاوَى الدِّينَارِيِّ إذَا بُنِيَ مَسْجِدٌ فِي الرُّسْتَاقِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَهُوَ أَمْرٌ بِالْجُمُعَةِ اتِّفَاقًا عَلَى مَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ اهـ فَافْهَمْ وَالرُّسْتَاقُ الْقُرَى كَمَا فِي الْقَامُوسِ. [تَنْبِيهٌ]

فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: قُضَاةُ زَمَانِنَا يَحْكُمُونَ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ تَجْدِيدِهَا فِي مَوْضِعٍ بِأَنْ يُعَلِّقَ الْوَاقِفُ عِتْقَ عَبْدِهِ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَعْدَ إقَامَتِهَا فِيهِ بِالشُّرُوطِ يَدَّعِي الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ عَلَى الْوَاقِفِ الْمُعَلِّقِ بِأَنَّهُ عَلَّقَ عِتْقَهُ عَلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ صَحَّتْ وَوَقَعَ الْعِتْقُ فَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فَيَتَضَمَّنُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ، وَيَدْخُلُ مَا لَمْ يَأْتِ مِنْ الْجُمَعِ تَبَعًا اهـ قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي دُخُولِ مَا لَمْ يَأْتِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ. اهـ.

أَقُولُ: الْجَوَابُ عَنْ نَظَرِهِ أَنَّ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَحَلًّا لِإِقَامَتِهَا فِيهِ وَبَعْدَ ثُبُوتِ صِحَّتِهَا فِيهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ جُمُعَةٍ وَجُمُعَةٍ فَتَدَبَّرْ. وَظَاهِرُ مَا مَرَّ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِ السُّلْطَانِ أَوْ الْقَاضِي بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَأَدَائِهَا فِيهِ حُكْمٌ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ بِلَا دَعْوَى وَحَادِثَةٍ. وَفِي قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ أَمْرُ الْقَاضِي حُكْمٌ كَقَوْلِهِ: سُلِّمَ الْمَحْدُودَ إلَى الْمُدَّعِي، وَالْأَمْرُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ، وَالْأَمْرُ بِحَبْسِهِ إلَخْ وَأَفْتَى ابْنُ نُجَيْمٍ بِأَنَّ تَزْوِيجَ الْقَاضِي الصَّغِيرَةَ حُكْمٌ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ لَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ (قَوْلُهُ: وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْحُكْمُ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ عِبَارَةَ الْقُهُسْتَانِيِّ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِهِ حُكْمٌ (قَوْلُهُ أَوَّلًا) زَادَهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مَا اتَّصَلَ بِهِ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا كَمَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>