وَجُلُوسُ سَاعَةٍ بَعْدَ دَفْنِهِ لِدُعَاءٍ وَقِرَاءَةٍ بِقَدْرِ مَا يُنْحَرُ الْجَزُورُ وَيُفَرَّقُ لَحْمُهُ.
(وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ) حِفْظًا لِتُرَابِهِ عَنْ الِانْدِرَاسِ (وَلَا يُرَبَّعُ) لِلنَّهْيِ (وَيُسَنَّمُ) نَدْبًا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وُجُوبًا قَدْرَ شِبْرٍ (وَلَا يُجَصَّصُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ (وَلَا يُطَيَّنُ، وَلَا يُرْفَعُ عَلَيْهِ بِنَاءٌ. وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ) كَمَا فِي كَرَاهَةِ السِّرَاجِيَّةِ. وَفِي جَنَائِزِهَا: لَا بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا حَتَّى لَا يَذْهَبَ الْأَثَرُ وَلَا يُمْتَهَنَ
(وَلَا يُخْرَجُ
ــ
[رد المحتار]
عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلَاثًا» شَرْحُ الْمُنْيَةِ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَيَقُولُ فِي الْحَثْيَةِ الْأُولَى - {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: ٥٥]- وَفِي الثَّانِيَةِ - {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: ٥٥]- وَفِي الثَّالِثَةِ - {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: ٥٥]- وَقِيلَ يَقُولُ فِي الْأُولَى: اللَّهُمَّ جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ، وَفِي الثَّالِثَةِ: اللَّهُمَّ زَوِّجْهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ. وَلِلْمَرْأَةِ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهَا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِك اهـ (قَوْلُهُ: وَجُلُوسٌ إلَخْ) لِمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوَّلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتَهَا. وَرُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ وَهُوَ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ: إذَا أَنَا مِتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ، وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ رُسُلَ رَبِّي جَوْهَرَةٌ
(قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِرَشِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ) بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْدَبَ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ بِقَبْرِ سَعْدٍ» كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «وَبِقَبْرِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ» كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ «وَأَمَرَ بِهِ فِي قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ» كَمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ، فَانْتَفَى مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّطْيِينَ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: لِلنَّهْيِ) هُوَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا يَرْفَعُهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَرْبِيعِ الْقُبُورِ وَتَجْصِيصِهَا» إمْدَادٌ (قَوْلُهُ وَيُسَنَّمُ) أَيْ يُجْعَلُ تُرَابُهُ مُرْتَفِعًا عَلَيْهِ كَسَنَامِ الْجَمَلِ، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سُفْيَانَ النِّمَارِ " أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسَنَّمًا " وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، التَّسْطِيحُ: أَيْ التَّرْبِيعُ أَفْضَلُ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وُجُوبًا) هُوَ مُقْتَضَى النَّهْيِ الْمَذْكُورِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ فِيمَا مِنْهُ بُدٌّ مَكْرُوهٌ اهـ لَكِنْ فِي النَّهْرِ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى.
قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى التَّرْبِيعِ فَيَكُونُ النَّهْيُ مَصْرُوفًا عَنْ ظَاهِرِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: قَدْرَ شِبْرٍ) أَوْ أَكْثَرَ شَيْئًا قَلِيلًا بَدَائِعُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُجَصَّصُ) أَيْ لَا يُطْلَى بِالْجَصِّ بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُرْفَعُ عَلَيْهِ بِنَاءٌ) أَيْ يَحْرُمُ لَوْ لِلزِّينَةِ، وَيُكْرَهُ لَوْ لِلْإِحْكَامِ بَعْدَ الدَّفْنِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَيْسَ بِقَبْرٍ إمْدَادٌ. وَفِي الْأَحْكَامِ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ الْبِنَاءُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْعُلَمَاءِ وَالسَّادَاتِ اهـ
قُلْت: لَكِنْ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِهِ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ: وَلَا يُطَيَّنُ لِأَنَّ عِبَارَةَ السِّرَاجِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّحْمَتِيُّ ذَكَرَ فِي تَجْرِيدِ أَبِي الْفَضْلِ أَنَّ تَطْيِينَ الْقُبُورِ مَكْرُوهٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اهـ وَعَزَاهُ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ أَيْضًا. وَأَمَّا الْبِنَاءُ عَلَيْهِ فَلَمْ أَرَ مَنْ اخْتَارَ جَوَازَهُ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ التَّطْيِينُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: يُكْرَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ بِنَاءً مِنْ بَيْتٍ أَوْ قُبَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَجْصِيصِ الْقُبُورِ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ اهـ نَعَمْ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ الْكُبْرَى: وَالْيَوْمَ اعْتَادُوا التَّسْنِيمَ بِاللَّبِنِ صِيَانَةً لِلْقَبْرِ عَنْ النَّبْشِ، وَرَأَوْا ذَلِكَ حَسَنًا. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» . اهـ. (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ إلَخْ) لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا وَإِنْ صَحَّ فَقَدْ وُجِدَ الْإِجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ بِهَا، فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ النَّهْيَ عَنْهَا مِنْ طُرُقٍ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ الْأَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute