(فَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا) بِلَا عُذْرٍ (وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ مَعَهُ قَرِينَةُ الْفَوْرِ وَهِيَ أَنَّهُ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ وَهِيَ مُعَجَّلَةٌ، فَمَتَى لَمْ تَجِبْ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِيجَابِ عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (لَا يَبْقَى لِلتِّجَارَةِ مَا) أَيْ عَبْدٌ مَثَلًا (اشْتَرَاهُ لَهَا فَنَوَى) بَعْدَ ذَلِكَ (خِدْمَتَهُ ثُمَّ) مَا نَوَاهُ لِلْخِدْمَةِ (لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ) وَإِنْ نَوَاهُ لَهَا مَا لَمْ يَبِعْهُ بِجِنْسِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ التِّجَارَةَ عَمَلٌ فَلَا تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ تَرَكَ الْعَمَلَ فَيَتِمُّ بِهَا
(وَمَا اشْتَرَاهُ لَهَا) أَيْ لِلتِّجَارَةِ (كَانَ لَهَا)
ــ
[رد المحتار]
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ افْتِرَاضُهَا عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ افْتِرَاضُ أَدَائِهَا، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى مَوْصُوفِهَا فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَدَاؤُهَا الْمُفْتَرَضُ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ: أَيْ أَنَّ أَصْلَ الْأَدَاءِ فَرْضٌ، وَكَوْنُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَاجِبٌ، وَهَذَا مَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَلَا التَّرَاخِيَ بَلْ مُجَرَّدَ الطَّلَبِ فَيَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ كُلٌّ مِنْهُمَا لَكِنَّ الْأَمْرَ هُنَا مَعَهُ قَرِينَةُ الْفَوْرِ إلَخْ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا إلَخْ) ظَاهِرُهُ الْإِثْمُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَوْ قَلَّ كَيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لِأَنَّهُمْ فَسَّرُوا الْفَوْرَ بِأَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ. وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ عَنْ الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى مَضَى حَوْلَانِ فَقَدْ أَسَاءَ وَأَثِمَ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ الْقَرِينَةُ أَنَّهُ أَيْ الْأَمْرَ بِالصَّرْفِ (قَوْلُهُ وَهِيَ مُعَجَّلَةٌ) كَذَا عِبَارَةُ الْفَتْحِ. أَيْ حَاجَةُ الْفَقِيرِ مُعَجَّلَةٌ أَيْ حَاصِلَةٌ (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَا مَرَّ: فَتَكُونُ الزَّكَاةُ فَرِيضَةً وَفَوْرِيَّتُهَا وَاجِبَةٌ فَيَلْزَمُ بِتَأْخِيرِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ الْإِثْمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْخِيُّ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى؛ وَهُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ، فَإِنَّ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ هِيَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِهَا، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وُجُوبُ فَوْرِيَّتُهَا، وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْهُمْ مِنْ أَنَّهَا عَلَيَّ التَّرَاخِي فَهُوَ بِالنَّظَرِ إلَى دَلِيلِ الِافْتِرَاضِ أَيْ: دَلِيلُ الِافْتِرَاضِ لَا يُوجِبُهَا، وَهُوَ لَا يَنْفِي وُجُودَ دَلِيلِ الْإِيجَابِ. وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ: إذَا شَكَّ هَلْ زَكَّى أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ لِأَنَّ وَقْتَهَا الْعُمْرُ، فَالشَّكُّ حِينَئِذٍ كَالشَّكِّ فِي الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ اهـ مُلَخَّصًا.
[تَتِمَّةٌ]
فِي الْفَتْحِ أَيْضًا: إذَا أَخَّرَ حَتَّى مَرِضَ يُؤَدِّي سِرًّا مِنْ الْوَرَثَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَالٌ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقْرِضَ لِأَدَاءِ الزَّكَاةِ إنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهِ فَالْأَفْضَلُ الِاسْتِقْرَاضُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ خُصُومَةَ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَشَدُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ عَبْدٌ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ فَنَوَى خِدْمَتَهُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مَثَلًا إلَى أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ قَيْدٍ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ فَنَوَى اسْتِعْمَالَهُ لِيَعُمَّ مِثْلَ الثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِمَا تَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً، أَوْ عُشْرِيَّةً لِيَتَّجِرَ فِيهَا فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ كَمَا يَأْتِي وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَنَوَى بَعْدَ ذَلِكَ خِدْمَتَهُ) أَيْ، وَأَنْ لَا يَبْقَى لِلتِّجَارَةِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ عَبْدُ التِّجَارَةِ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ سَنَتَيْنِ فَاسْتَخْدَمَهُ فَهُوَ لِلتِّجَارَةِ عَلَى حَالِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ التِّجَارَةِ وَيَجْعَلَهُ لِلْخِدْمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَبِعْهُ) أَيْ أَوْ يُؤَجِّرْهُ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَبَدَلُهُ مِنْ قَسْمِ الدَّيْنِ الْوَسَطِ فَيُعْتَبَرُ مَا مَضَى أَوْ يُعْتَبَرُ الْحَوْلُ بَعْدَ قَبْضِهِ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الدُّيُونِ (قَوْلُهُ بِجِنْسِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ) فَلَوْ دَفَعَهُ لِامْرَأَتِهِ فِي مَهْرِهَا أَوْ دَفَعَهُ بِصُلْحٍ عَنْ قَوَدٍ أَوْ دَفَعَتْهُ لِخُلْعِ زَوْجِهَا لَا زَكَاةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَمْ تَكُنْ جِنْسَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ ط (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا تَتَحَقَّقُ بِالْفِعْلِ وَبَيْنَ عَدَمِهَا. بِأَنْ نَوَاهُ لِلْخِدْمَةِ حَيْثُ تَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ط (قَوْلُهُ فَيَتِمُّ بِهَا) لِأَنَّ التُّرُوكَ كُلَّهَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالنِّيَّةِ ط. وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْمُقِيمُ وَالصَّائِمُ وَالْكَافِرُ وَالْعَلُوفَةُ السَّائِمَةُ، حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا وَلَا مُفْطِرًا وَلَا مُسْلِمًا وَلَا سَائِمَةً وَلَا عَلُوفَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَتَثْبُت أَضْدَادُهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ زَيْلَعِيٌّ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ وَالْفَتْحِ بِأَنَّ الْعَلُوفَةَ لَا تَصِيرُ سَائِمَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَوَفَّقَ فِي الْبَحْرِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا نَوَى أَنْ تَكُونَ السَّائِمَةُ عَلُوفَةً، وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي الْمَرْعَى إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ، وَهُوَ إخْرَاجُهَا مِنْ الْمَرْعَى لَا الْعَلَفِ، وَحَمَلَ الثَّانِيَ عَلَى مَا إذَا نَوَى بَعْدَ إخْرَاجِهَا مِنْهُ
(قَوْلُهُ: كَانَ لَهَا إلَخْ) لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي التِّجَارَةِ مُقَارَنَتُهَا لِعَقْدِهَا وَهُوَ كَسْبُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِعَقْدِ شِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute