لِأَنَّ الْجِبَايَةَ بِالْحِمَايَةِ.
(نَصَّبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ) لِلْمُسَافِرِينَ خَرَجَ السَّاعِي فَإِنَّهُ الَّذِي يَسْعَى فِي الْقَبَائِلِ لِيَأْخُذَ صَدَقَةَ الْمَوَاشِي فِي أَمَاكِنِهَا (لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ) تَغْلِيبًا لِلْعِبَادَةِ عَلَى غَيْرِهَا (مِنْ التُّجَّارِ) بِوَزْنِ فُجَّارٍ (الْمَارِّينَ بِأَمْوَالِهِمْ) الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ (عَلَيْهِ) وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّ الْعَشَّارِ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَخْذِ ظُلْمًا.
ــ
[رد المحتار]
عَامِلًا فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ لِحِلِّ أَخْذِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ صَاحِبِ الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا إذَا جَعَلَ لَهُ الْإِمَامُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ كَانَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِمَّا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَسَنَذْكُرُ فِي بَابِ الْمَصْرِفِ تَمَامَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجِبَايَةَ بِالْحِمَايَةِ) أَيْ جِبَايَةَ الْإِمَامِ هَذَا الْمَأْخُوذُ بِسَبَبِ حِمَايَتِهِ لِلْأَمْوَالِ وَلِذَا لَوْ غَلَبَ الْخَوَارِجُ عَلَى مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَأَخَذُوا مِنْهُمْ الصَّدَقَاتِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ إلَّا إعَادَةُ الْخَرَاجِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِلْمُسَافِرِينَ) أَيْ طَرِيقِ السَّفَرِ لِأَجْلِ الْحِمَايَةِ وَلِذَا قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: لِيَأْمَنُوا مِنْ اللُّصُوصِ إلَى قَيْدٍ لَا بُدَّ مِنْهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَهُوَ أَنْ يَأْمَنَ بِهِ التُّجَّارُ مِنْ اللُّصُوصِ وَيَحْمِيَهُمْ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: خَرَجَ السَّاعِي) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَالْمُصَدِّقُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ اسْمُ جِنْسٍ لَهُمَا.
(قَوْلُهُ: تَغْلِيبًا إلَخْ) دَفْعٌ لِمَا يُقَالُ إنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْكَافِرِ لَيْسَ بِصَدَقَةٍ (قَوْلُهُ: الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ) فَإِنَّ مَالَ الزَّكَاةِ نَوْعَانِ: ظَاهِرٌ، وَهُوَ الْمَوَاشِي، وَمَا يَمُرُّ بِهِ التَّاجِرُ عَلَى الْعَاشِر، وَبَاطِنٌ: وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ فِي مَوَاضِعِهَا بَحْرٌ وَمُرَادُهُ هُنَا بِالْبَاطِنَةِ مَا عَدَا الْمَوَاشِيَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِمْ الْمَارِّينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَإِلَّا فَكُلُّ مَا مَرَّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ فَهُوَ مِنْ نَوْعِ الظَّاهِرِ، وَسَمَّاهَا بَاطِنَةً بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ قَبْلَ الْمُرُورِ.
أَمَّا الْبَاطِنَةُ الَّتِي فِي بَيْتِهِ لَوْ أَخْبَرَ بِهَا الْعَاشِرَ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي مَتْنًا أَيْضًا وَأَشَارَ بِهَذَا التَّعْمِيمِ إلَى رَدِّ مَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَةَ: وَهِيَ السَّوَائِمُ لَا يَحْتَاجُ الْعَاشِرُ فِيهَا إلَى مُرُورِ صَاحِبِ الْمَالِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ عُشْرَهَا وَإِنْ لَمْ يَمُرَّ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَيْهِ اهـ فَإِنَّهُ كَمَا فِي النَّهْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْعَاشِرِ وَالسَّاعِي، وَقَدْ عَلِمْت التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا بِمَا مَرَّ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْبَدَائِعِ.
مَطْلَبٌ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْعَشَّارِ.
(قَوْلُهُ: وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّ الْعَشَّارِ إلَخْ) مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْنُو مِنْ خَلْقِهِ أَيْ بِرَحْمَتِهِ وَجُودِهِ وَفَضْلِهِ فَيَغْفِرُ لِمَنْ شَاءَ إلَّا لِبَغِيٍّ بِفَرْجِهَا أَوْ عَشَّارٍ» وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَدْخُلُ صَاحِبُ مَكْسٍ الْجَنَّةَ» قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ يَعْنِي: الْعَشَّارَ وَقَالَ الْبَغَوِيّ: يُرِيدُ بِصَاحِبِ الْمَكْسِ، الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ التُّجَّارِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ مَكْسًا بِاسْمِ الْعُشْرِ أَيْ الزَّكَاةِ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ.
أَمَّا الْآنَ فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَهُ مَكْسًا بِاسْمِ الْعُشْرِ وَمَكْسًا آخَرَ لَيْسَ لَهُ اسْمٌ، بَلْ شَيْءٌ يَأْخُذُونَهُ حَرَامًا وَسُحْتًا، وَيَأْكُلُونَهُ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا حُجَّتُهُمْ فِيهِ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، كَذَا فِي الزَّوَاجِرِ لِابْنِ حَجَرٍ.
مَطْلَبٌ لَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالدَّفْعِ إلَى الْعَاشِرِ فِي زَمَانِنَا ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ فَسَقَةِ التُّجَّارِ يَظُنُّ أَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَكْسِ يُحْسَبُ عَنْهُ إذَا نَوَى بِهِ الزَّكَاةَ وَهَذَا ظَنٌّ بَاطِلٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute