وَلِلْمُودَعِ صَرْفُ وَدِيعَةٍ مَاتَ رَبُّهَا وَلَا وَارِثَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَصَارِفِ: دَفْعُ النَّائِبَةِ وَالظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْلَى إلَّا إذَا تَحَمَّلَ حِصَّتَهُ بَاقِيهِمْ وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا وَيُؤَجِّرُ مَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِهَا بِالْعَدْلِ وَإِنْ كَانَ الْأَخْذُ بَاطِلًا وَهَذَا يُعْرَفُ وَلَا يُعَرَّفُ كَفًّا لِمَادَّةِ الظُّلْمِ
ــ
[رد المحتار]
عَنْ الْإِمَامِ لَوْ بُرِيَ مَنْ لَهُ حَظٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ ظَفِرَ بِمَالٍ وُجِّهَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ دِيَانَةً وَلِلْإِمَامِ الْخِيَارُ فِي الْمَنْعِ وَالْإِعْطَاءِ فِي الْحُكْمِ أَيْ فِي الْقَضَاءِ. اهـ. قُلْت: أَيْ فِي الْخِيَارِ فِي إعْطَاءِ ذَلِكَ لِلْوَاجِدِ إذَا عُلِمَ بِهِ لِيُعْطِيَهُ حَقَّهُ مِنْ غَيْرِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ فِي مَنْعِ حَقِّهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مُطْلَقًا كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: وَلِلْمُودَعِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَمَاتَ الْمُودَعُ بِلَا وَارِثٍ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الْوَدِيعَةَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَانِنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لَضَاعَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَصْرِفُونَ مَصَارِفَهُ فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ صَرَفَهُ إلَى نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَصَارِفِ صَرَفَهُ إلَى الْمَصْرِفِ اهـ وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَصَارِفِ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ آنِفًا حَيْثُ أَطْلَقَ الْمَصَارِفَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِمَصَارِفِ هَذَا الْمَالِ فَشَمِلَ مَصَارِفَ الْبُيُوتِ الْأَرْبَعَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: دَفْعُ النَّائِبَةِ وَالظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْلَى إلَخْ) النَّائِبَةُ مَا يَنُوبُهُ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ مِنْ حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْبَزْدَوِيِّ وَالْمُرَادُ دَفْعُ مَا كَانَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلِذَا عَطَفَ الظُّلْمَ تَفْسِيرًا فِيهَا عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ تَوَجَّهَ عَلَى جَمَاعَةٍ جِبَايَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلِبَعْضِهِمْ دَفْعُهَا عَنْ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَحْمِلْ حِصَّتَهُ عَلَى الْبَاقِينَ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُدَافِعَهَا عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ نَقَلَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ عَنْ شَيْخِهِ بَدِيعٍ أَنَّ فِيهِ إشْكَالًا؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ إعَانَةٌ لِلظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّوَائِبِ فِي زَمَانِنَا بِطَرِيقِ الظُّلْمِ فَمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ فَذَلِكَ خَيْرٌ لَهُ اهـ مُلَخَّصًا وَعَلَيْهِ مَشَى ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ، وَأَجَابَ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِأَنَّ الْإِشْكَالَ مَدْفُوعٌ بِمَا فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ عَلَى الضَّعِيفِ الْعَاجِزِ بِوَاسِطَةِ دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ. اهـ.
قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مَا حَرُمَ أَخْذُهُ حَرُمَ إعْطَاؤُهُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ أَيْ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِذَا كَانَ الظَّالِمُ لَا بُدَّ مِنْ أَخْذِهِ الْمَالَ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَكُونُ الْعَاجِزُ عَنْ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ آثِمًا بِالْإِعْطَاءِ بِخِلَافِ الْقَادِرِ فَإِنَّهُ بِإِعْطَائِهِ مَا يَحْرُمُ أَخْذُهُ يَكُونُ مُعَيَّنًا عَلَى الظُّلْمِ بِاخْتِيَارِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: حِصَّتَهُ) مَفْعُولُ تَحْمِلُ وَبَاقِيهمْ فَاعِلُهُ أَيْ بَاقِي جَمَاعَتِهِ (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا) أَيْ بِالنَّائِبَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِحَقٍّ كَكَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ لِلْعَامَّةِ، وَأُجْرَةِ الْحَارِسِ لِلْمَحَلَّةِ الْمُسَمَّى بِدِيَارِ مِصْرَ الْخَفِيرَ، وَمَا وُظِّفَ لِلْإِمَامِ لِيُجَهِّزَ بِهِ الْجُيُوشَ وَفِدَاءِ الْأَسَارَى بِأَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ فَوُظِّفَ عَلَى النَّاسِ ذَلِكَ وَالْكَفَالَةُ بِهِ جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا أَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ كَجِبَايَاتِ زَمَانِنَا فَإِنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ كَالدُّيُونِ بَلْ فَوْقَهَا، حَتَّى لَوْ أُخِذَتْ مِنْ الْأَكَّارِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَيَّدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِمَا إذَا أَمَرَهُ بِهِ طَائِعًا فَلَوْ مُكْرَهًا فِي الْأَمْرِ لَمْ يُعْتَبَرْ أَمْرُهُ بِالرُّجُوعِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَصَاحِبُ النَّهْرِ فِي الْكَفَالَةِ ط.
قُلْت: وَمَعْنَى صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالنَّائِبَةِ الَّتِي بِغَيْرِ حَقٍّ أَنَّ الْكَفِيلَ إذَا كَفَلَ غَيْرَهُ بِهَا بِأَمْرِهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ الظَّالِمُ مِنْهُ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلظَّالِمِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ، فَلَا يَرُدُّ مَا قِيلَ إنَّ الظُّلْمَ يَجِبُ إعْدَامُهُ فَكَيْفَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَيُؤَجَّرُ مَنْ قَامَ بِتَوْزِيعِهَا بِالْعَدْلِ) أَيْ بِالْمُعَادَلَةِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْقُنْيَةِ أَيْ بِأَنْ يَحْمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ؛ لِأَنَّ لَوْ تَرَكَ تَوْزِيعَهَا إلَى الظَّالِمِ رُبَّمَا يَحْمِلُ بَعْضُهُمْ مَا لَا يُطِيقُ فَيَصِيرُ ظُلْمًا عَلَى ظُلْمٍ فَفِي قِيَامِ الْعَارِفِ بِتَوْزِيعِهَا بِالْعَدْلِ تَقْلِيلٌ لِلظُّلْمِ فَلِذَا يُؤَجَّرُ وَهَذَا الْيَوْمُ كَالْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ بَلْ هُوَ أَنْدَرُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا يُعْرَفُ إلَخْ) الْمُشَارُ إلَيْهِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي كَلَامِهِ وَأَصْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَلْخِيّ مَا يَضُرُّ بِهِ السُّلْطَانُ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَصْلَحَةً لَهُمْ يَصِيرُ دَيْنًا وَاجِبًا وَحَقًّا مُسْتَحَقًّا كَالْخَرَاجِ، وَقَالَ مَشَايِخُنَا وَكُلُّ مَا يَضْرِبُهُ الْإِمَامُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute