للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَفَقِيرٍ اسْتَغْنَى وَابْنِ سَبِيلٍ وَصَلَ لِمَالِهِ، وَسَكَتَ عَنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لِسُقُوطِهِمْ إمَّا بِزَوَالِ الْعِلَّةِ أَوْ نُسِخَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ فِي آخِرِ الْأَمْرِ «خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ»

ــ

[رد المحتار]

«هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» (قَوْلُهُ: كَفَقِيرٍ اسْتَغْنَى) أَيْ وَفَضَلَ مَعَهُ شَيْءٌ مِمَّا أَخَذَهُ حَالَةَ الْفَقْرِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كَوْنِهِ مَصْرِفًا هُوَ وَقْتُ الدَّفْعِ وَكَذَا يُقَالُ فِي ابْنِ السَّبِيلِ (قَوْلُهُ وَسَكَتَ عَنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) كَانُوا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ كُفَّارٌ كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُعْطِيهِمْ لِيَتَأَلَّفَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ.

وَقِسْمٌ كَانَ يُعْطِيهِمْ لِيَدْفَعَ شَرَّهُمْ. وَقِسْمٌ أَسْلَمُوا وَفِيهِمْ ضَعْفٌ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَ يَتَأَلَّفُهُمْ لِيَثْبُتُوا وَكَانَ ذَلِكَ حُكْمًا مَشْرُوعًا ثَابِتًا بِالنَّصِّ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى الْكُفَّارِ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ جِهَادِ الْفُقَرَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ مِنْ الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً بِالسِّنَانِ وَتَارَةً بِالْإِحْسَانِ أَفَادَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لِسُقُوطِهِمْ) أَيْ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ لَمَّا مَنَعَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، نَعَمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ يَجِبُ عِلْمُهُمْ بِدَلِيلٍ أَفَادَ نَسْخَ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَقْيِيدَ الْحُكْمِ بِحَيَاتِهِ أَوْ كَوْنِهِ حُكْمًا مُغَيًّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ لَا يَجِبُ عِلْمُنَا نَحْنُ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ.

(قَوْلُهُ: إمَّا بِزَوَالِ الْعِلَّةِ) هِيَ إعْزَازُ الدِّينِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ الْغَائِيَّةِ الَّتِي كَانَ لِأَجْلِهَا الدَّفْعُ، فَإِنَّ الدَّفْعَ كَانَ لِلْإِعْزَازِ وَقَدْ أَعَزَّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْهُمْ بَحْرٌ لَكِنَّ مُجَرَّدَ التَّعْلِيلِ بِكَوْنِهِ مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ انْتَهَتْ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَحْتَاجُ فِي بَقَائِهِ إلَى بَقَاءِ عِلَّتِهِ.

لِاسْتِغْنَائِهِ فِي الْبَقَاءِ عَنْهَا لِمَا عُلِمَ فِي الرِّقِّ وَالِاضْطِبَاعِ وَالرَّمَلِ، فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِمَّا شُرِعَ مُقَيَّدًا بَقَاؤُهُ بِبَقَائِهَا لَكِنْ لَا يَلْزَمُنَا تَعْيِينُهُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ فَنَحْكُمُ بِثُبُوتِ الدَّلِيلِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَنَا عَلَى الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩] وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ نُسِخَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) أَيْ هُوَ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ فَالنَّسْخُ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ الَّذِي سَمِعَهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ قَطْعِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ فَيَصِحُّ نَسْخُهُ لِلْكِتَابِ، وَجَعَلَ فِي الْبَحْرِ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ الْإِجْمَاعَ نَاسِخًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِجْمَاعُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَهُ كَمَا أَوْضَحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ: وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ) فِي نُسْخَةٍ: عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ «إنَّك سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» إلَخْ ". اهـ.

وَأَمَّا بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ فَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَسَانِيدِ اهـ وَضَمِيرُ فُقَرَائِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا تُدْفَعُ إلَى مَنْ كَانَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ كَافِرًا أَوْ غَنِيًّا وَتُدْفَعُ إلَى مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا فَقِيرًا بِوَصْفِ الْفَقْرِ لَا لِكَوْنِهِ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ فَالنَّسْخُ لِلْعُمُومِ أَوْ لِخُصُوصِ

<<  <  ج: ص:  >  >>