وَقَوْلِهِ: وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا الْآيَةَ [٢٥ \ ٤١ - ٤٢] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
فَمَجْمُوعُ مَا ذَكَرْنَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْقَرْيَةِ الْمَضْرُوبَةِ مَثَلًا فِي آيَةِ (النَّحْلِ) هَذِهِ: هِيَ مَكَّةُ. وَرُوِيَ عَنْ حَفْصَةَ وَغَيْرِهَا: " أَنَّهَا الْمَدِينَةُ، قَالَتْ ذَلِكَ لَمَّا بَلَغَهَا قَتْلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - "، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هِيَ قَرْيَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، ضَرَبَهَا اللَّهُ مَثَلًا لِلتَّخْوِيفِ مِنْ مُقَابَلَةِ نِعْمَةِ الْأَمْنِ وَالِاطْمِئْنَانِ وَالرِّزْقِ، بِالْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ. وَقَالَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ: إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَنْكِيرُ الْقَرْيَةِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي قَوْلِهِ: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً الْآيَةَ [١٦ \ ١١٢] .
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ -: وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَعْتَبِرَ بِهَذَا الْمَثَلِ، وَأَلَّا يُقَابِلَ نِعَمَ اللَّهِ بِالْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ ; لِئَلَّا يَحِلَّ بِهِ مَا حَلَّ بِهَذِهِ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَلَكِنَّ الْأَمْثَالَ لَا يَعْقِلُهَا عَنِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمًا ; لِقَوْلِهِ: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [٢٩ \ ٤٣] .
وَفِي قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: قَرْيَةً، وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَدُلُّ مِنْ قَوْلِهِ: مَثَلًا، الثَّانِي: أَنَّ ضَرَبَ مُضَمَّنٌ مَعْنَى جَعَلَ، وَأَنَّ: قَرْيَةً، هِيَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَ: مَثَلًا الْمَفْعُولُ الثَّانِي. وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ قَرْيَةً لِئَلَّا يَقَعَ الْفَصْلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ صِفَاتِهَا الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: كَانَتْ آمِنَةً. . .، إِلَخْ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: مُّطْمَئِنَّةً، أَيْ: لَا يُزْعِجُهَا خَوْفٌ ; لِأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ مَعَ الْأَمْنِ، وَالِانْزِعَاجَ وَالْقَلَقَ مَعَ الْخَوْفِ.
وَقَوْلُهُ: رَغَدًا، أَيْ: وَاسِعًا لَذِيذًا. وَالْأَنْعُمُ قِيلَ: جَمْعُ نِعْمَةٍ كَشِدَّةٍ وَأَشُدَّ. أَوْ عَلَى تَرْكِ الِاعْتِدَادِ بِالتَّاءِ. كَدِرْعٍ وَأَدْرُعٍ. أَوْ جَمْعُ نُعْمٍ كَبُؤْسٍ وَأَبْؤُسٍ. كَمَا تَقَدَّمَ فِي (سُورَةِ الْأَنْعَامِ) فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ الْآيَةَ [الْآيَةَ \ ١٥٢] .
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ سُؤَالٌ مَعْرُوفٌ، هُوَ أَنْ يُقَالَ: كَيْفَ أَوْقَعَ الْإِذَاقَةَ عَلَى اللِّبَاسِ فِي قَوْلِهِ: فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ الْآيَةَ [١٦ \ ١١٢] ، وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ الرَّاوَنْدِيِّ الزِّنْدِيقَ قَالَ لِابْنِ الْأَعْرَابِيِّ - إِمَامِ اللُّغَةِ وَالْأَدَبِ -: هَلْ يُذَاقُ اللِّبَاسُ؟ ! يُرِيدُ الطَّعْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute