الثَّانِيَةُ أَنْ يَقْتُلَ بِالْقَتِيلِ وَاحِدًا فَقَطْ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ الْقَاتِلِ ; لِأَنَّ قَتْلَ الْبَرِيءِ بِذَنْبِ غَيْرِهِ إِسْرَافٌ فِي الْقَتْلِ، مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْآيَةِ أَيْضًا.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَ الْقَاتِلِ وَيُمَثِّلَ بِهِ، فَإِنَّ زِيَادَةَ الْمُثْلَةِ إِسْرَافٌ فِي الْقَتْلِ أَيْضًا.
وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَمَالَ إِلَيْهِ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْضَ الْمَيْلِ، مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: فَلَا يُسْرِفُ الظَّالِمُ الْجَانِي فِي الْقَتْلِ ; تَخْوِيفًا لَهُ مِنَ السُّلْطَانِ، وَالنَّصْرِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ، لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، وَأَنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ: إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا [١٧ \ ٣٣] .
وَهَذَا السُّلْطَانُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ لَمْ يُبَيِّنْهُ هُنَا بَيَانًا مُفَصَّلًا، وَلَكِنَّهُ أَشَارَ فِي مَوْضِعَيْنِ إِلَى أَنَّ هَذَا السُّلْطَانَ هُوَ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ مِنَ السُّلْطَةِ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ عَلَى الْقَاتِلِ، مِنْ تَمْكِينِهِ مِنْ قَتْلِهِ إِنْ أَحَبَّ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ شَاءَ عَفَا عَلَى الدِّيَةِ أَوْ مَجَّانًا.
الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ هُنَا: فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ [١٧ \ ٣٣ بَعْدَ ذِكْرِ السُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ ; لِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي الْقَتْلِ مُقْتَرِنًا بِذِكْرِ السُّلْطَانِ الْمَذْكُورِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ الْمَذْكُورَ هُوَ ذَلِكَ الْقَتْلُ الْمَنْهِيُّ عَنِ الْإِسْرَافِ فِيهِ.
الْمَوْضِعُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى - إِلَى قَوْلِهِ - وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الْآيَةَ [٢ \ ١٧٨ - ١٧٩] ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ الْمَذْكُورَ هُوَ مَا تَضَمَّنَتْهُ آيَةُ الْقِصَاصِ هَذِهِ، وَخَيْرُ مَا يُبَيَّنُ بِهِ الْقُرْآنُ الْقُرْآنُ.
مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: مَظْلُومًا أَنَّ مَنْ قَتَلَ غَيْرَ مَظْلُومٍ لَيْسَ لِوَلِيِّهِ سُلْطَانٌ عَلَى قَاتِلِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ مَنْ قُتِلَ بِحَقٍّ فَدَمَهُ حَلَالٌ، وَلَا سُلْطَانَ لِوَلِيِّهِ فِي قَتْلِهِ، كَمَا قَدَّمْنَا بِذَلِكَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحُلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ» كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي سُورَةِ «الْمَائِدَةِ» .
وَبَيَّنَا هَذَا الْمَفْهُومَ فِي قَوْلِهِ: مَظْلُومًا يَظْهَرُ بِهِ بَيَانُ الْمَفْهُومِ فِي قَوْلِهِ أَيْضًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute