للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [١٧ \ ٣٣] .

وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَدِلَّةِ أَسْبَابٌ أُخَرُ لِإِبَاحَةِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ غَيْرَ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ، عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. مِنْ ذَلِكَ: الْمُحَارِبُونَ إِذَا لَمَّ يَقْتُلُوا أَحَدًا. عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا الْآيَةَ [٥ \ ٣٣] ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ «الْمَائِدَةِ» .

وَمِنْ ذَلِكَ: قَتْلُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ فِي فَاحِشَةِ اللِّوَاطِ، وَقَدْ قَدَّمَنَا الْأَقْوَالَ فِي ذَلِكَ وَأَدِلَّتَهَا بِإِيضَاحٍ فِي سُورَةِ «هُودٍ» .

وَأَمَّا قَتْلُ السَّاحِرِ فَلَا يَبْعُدُ دُخُولُهُ فِي قَتْلِ الْكَافِرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: «التَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ» لِدَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى كُفْرِ السَّاحِرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ الْآيَةَ [٢ \ ١٠٢] ، وَقَوْلِهِ: وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ الْآيَةَ [٢ \ ١٠٢] ، وَقَوْلِهِ: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ [٢ \ ١٠٢] .

وَأَمَّا قَتْلُ مَانِعِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ إِنْ أَنْكَرَ وُجُوبَهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ دَاخِلٌ فِي «التَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ» ، وَأَمَّا إِنْ مَنَعَهَا وَهُوَ مُقِرٌّ بِوُجُوبِهَا فَالَّذِي يَجُوزُ فِيهِ: الْقِتَالُ لَا الْقَتْلُ، وَبَيْنَ الْقِتَالِ وَالْقَتْلِ فَرْقٌ وَاضِحٌ مَعْرُوفٌ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً يُقْتَلُ هُوَ وَتُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ مَعَهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ» . قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي «مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ» : رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا.

وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ ; لِأَنَّ حَصْرَ مَا يُبَاحُ بِهِ دَمُ الْمُسْلِمِ فِي الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، مَعَ التَّشْدِيدِ الْعَظِيمِ فِي الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفُرُوعِ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: هَذَا الْحَصْرُ فِي الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>