للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ، إِلَّا مَا ثَبَتَ بِوَحْيٍ ثُبُوتًا لَا مَطْعَنَ فِيهِ، لِقُوَّتِهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْتُولَ خَطَأً لَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْحُكْمِ ; كَقَوْلِهِ: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [٣٣ \ ٥] ، وَقَوْلِهِ: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا الْآيَةَ [٢ \ ٢٨٦] ، لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَرَأَهَا، قَالَ اللَّهُ نَعَمْ قَدْ فَعَلْتَ. وَقَوْلِهِ: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً [٤ \ ٩٢] ثُمَّ بَيَّنَ مَا يَلْزَمُ الْقَاتِلَ خَطَأً بِقَوْلِهِ: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا الْآيَةَ [٤ \ ٩٢] ، وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّيَةَ قَدْرًا وَجِنْسًا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ كَمَا سَيَأْتِي إِيضَاحُهُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: يُفْهَمُ مِنْ إِطْلَاقِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا [١٧ \ ٣٣] أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَتْلُ بِمُحَدَّدٍ كَالسِّلَاحِ، وَبِغَيْرِ مُحَدَّدٍ كَرَضْخِ الرَّأْسِ بِحَجَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقَتْلِ ظُلْمًا فَيَجِبُ الْقِصَاصُ.

وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ مُسْلِمٍ» : هُوَ مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ.

وَخَالَفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ إِلَّا فِي الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ خَاصَّةً، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ حَجَرٍ، أَوْ خَشَبٍ، أَوْ فِيمَا كَانَ مَعْرُوفًا بِقَتْلِ النَّاسِ كَالْمَنْجَنِيقِ، وَالْإِلْقَاءِ فِي النَّارِ.

وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِأَدِلَّةٍ:

الْأَوَّلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إِطْلَاقِ النُّصُوصِ فِي ذَلِكَ. الثَّانِي: حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْمَشْهُورُ الَّذِي أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَبَاقِي الْجَمَاعَةِ: أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوَضَاحٍ لَهَا، فَرَضَخَ رَأْسَهَا بِالْحِجَارَةِ، فَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ فَقَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، رَضَّ رَأْسَهُ بِهِمَا.

وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمُتَّفِقُ عَلَيْهِ نَصٌّ صَرِيحٌ صَحِيحٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِهِ: بِاسْتِوَاءِ دَمِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ الْمَعْصُومِ الدَّمُ كَالذِّمِّيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>