للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِنَّمَا هُوَ فِيمَا دُونَ الثُّلْثِ خَاصَّةً كَالْمُوَضَّحَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ، وَالْإِصْبَعِ وَالْإِصْبَعَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، وَهُمَا قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَصَحَّهُمَا هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ بِالْحَدِيثِ الْآتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَهَذَا الْقَوْلُ مُشْكِلٌ جِدًّا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إِنَّ قَطَعَتْ مِنْ يَدِهَا ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ كَانَتْ دِيَتُهَا ثَلَاثِينَ مِنَ الْإِبِلِ كَأَصَابِعِ الرَّجُلِ، لِأَنَّهَا دُونَ الثُّلْثِ، وَإِنْ قَطَعَتْ مِنْ يَدِهَا أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ كَانَتْ دِيَتُهَا عِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ، لِأَنَّهَا زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ فَصَارَتْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَكَوْنُ دِيَةِ الْأَصَابِعِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثِينَ مِنَ الْإِبِلِ، وِدِيَةِ الْأَصَابِعِ الْأَرْبَعَةِ عِشْرِينَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ كَمَا تَرَى.

وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فَأَجَابَهُ بِأَنَّ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ، فَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ كَمْ فِي إِصْبَعِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ. فَقُلْتُ: كَمْ فِي إِصْبَعَيْنِ؟ قَالَ: عِشْرُونَ مِنَ الْإِبِلِ. فَقُلْتُ: كَمْ فِي ثَلَاثٍ؟ فَقَالَ: ثَلَاثُونَ مِنَ الْإِبِلِ. فَقُلْتُ: كَمْ فِي أَرْبَعٍ؟ قَالَ: عِشْرُونَ مِنَ الْإِبِلِ. فَقُلْتُ: حِينَ عَظُمَ جُرْحُهَا، وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ. بَلْ عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ، أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ. فَقَالَ سَعِيدٌ: هِيَ السُّنَّةُ يَابْنَ أَخِي.

وَظَاهِرُ كَلَامِ سَعِيدٍ هَذَا: أَنَّ هَذَا مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَوْ قُلْنَا: إِنَّ هَذَا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ ; لِأَنَّ سَعِيدًا لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَرَاسِيلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَدْ قَدَّمَنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ» مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ: إِنَّ مُرَادَهُ بِالسُّنَّةِ هُنَا سُنَّةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.

وَقَالَ النَّسَائِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي سُنَنِهِ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى يَبْلُغَ الثُّلُثَ مِنْ دِيَتِهَا» اه وَهَذَا يُعَضِّدُ قَوْلَ سَعِيدٍ: إِنَّ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: إِسْنَادُ النَّسَائِيِّ هَذَا ضَعِيفٌ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ جِهَتَيْنِ.

إِحْدَاهُمَا: أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَرِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورِ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ ضَعِيفَةٌ كَمَا قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ لَيْسَ بِشَامِيٍّ، بَلْ هُوَ حِجَازِيٌّ مَكِّيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>