الثَّانِيَةُ: أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ عَنْعَنَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مُدَلِّسٌ، وَعَنْعَنَةُ الْمُدَلِّسُ لَا يُحْتَجُّ بِهَا مَا لَمْ يَثْبُتِ السَّمَاعُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى كَمَا تَقَرَّرَ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْإِعْلَالَ مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: مِنْ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ - يَعْنِي الْبُخَارِيَّ - قَالَ: إِنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي «تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ» فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ الْمَذْكُورِ.
وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ تَصْحِيحَ ابْنِ خُزَيْمَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنْ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي «بُلُوغِ الْمَرَامِ» وَسَكَتَ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْحَدِيثُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ فِي ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الْمَرْأَةِ ثَلَاثُونَ، وَفِي أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ عِشْرُونَ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا عَهِدَ مِنْ حِكْمَةِ هَذَا الشَّرْعِ الْكَرِيمِ كَمَا تَرَى، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنْ جَعَلَ الْمَرْأَةَ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الرَّجُلِ فِيمَا بَلَغَ الثَّالِثَ فَصَاعِدًا أَنَّهُ فِي الزَّائِدِ فَقَطْ، فَيَكُونُ فِي أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِهَا خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ، فَيَكُونُ النَّقْصُ فِي الْعَشْرَةِ الرَّابِعَةُ فَقَطْ، وَهَذَا مَعْقُولٌ وَظَاهِرٌ، وَالْحَدِيثُ مُحْتَمِلٌ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ: مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنِ ابْنِ غَنَمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ» ، ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ، فَالضَّعْفُ الَّذِي يَعْنِيهِ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: «دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي الْكُلِّ» . وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْهُ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ وَعَنْ عُمَرَ، قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
الْفَرْعُ السَّادِسُ: اعْلَمْ أَنَّ أَصَحَّ الْأَقْوَالِ وَأَظْهَرُهَا دَلِيلًا: أَنَّ دِيَةَ الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ دِيَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ عِنْدَ تَقْوِيمِهِ الدِّيَةَ لَمَّا غَلَتِ الْإِبِلُ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ: حَدَّثْنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مَوْهَبٍ الرَّمْلِيُّ، ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «دِيَةُ الْمُعَاهِدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ» . قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute