وَمِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ، لَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا، حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ، وَزَادَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ قَتْلُهُمْ أَشْيَمَ خَطَأً. وَمَا رُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. رُوِيَ نَحْوَهُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَزُرَارَةُ بْنُ جَرِيٍّ. كَمَا ذَكَرَهُ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَى أَنَّ الْعَقْلَ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ عَلَى فَرَائِضِهِمْ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَدْ قَدَّمْنَا نَصَّ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَوَّاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَأَعَلَّهُ النَّسَائِيُّ ; قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ. وَهُوَ مُعْتَضِدٌ بِمَا تَقَدَّمَ وَبِمَا يَأْتِي، وَبِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مُقْتَضَاهُ.
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ قُرَّةَ بْنِ دَعْمُوصٍ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَعَمِّي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدَ هَذَا دِيَةُ أَبِي فَمُرْهُ يُعْطِنِيهَا. وَكَانَ قُتِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: «أَعْطِهِ دِيَةَ أَبِيهِ» فَقُلْتُ: هَلْ لِأُمِّي فِيهَا حَقٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، وَكَانَتْ دِيَتُهُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ.
وَقَدْ سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ هَكَذَا: قَالَ قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ: أَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: أَنَا عَائِذُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسٍ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ دَعْمُوصٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَعَمِّي - إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْنَا - وَسَكَتَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ صَالِحُونَ لِلِاحْتِجَاجِ، إِلَّا عَائِذُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسٍ النُّمَيْرِيُّ فَلَمْ نَرَ مَنْ جَرَحَهُ وَلَا مَنْ عَدَلَهُ.
وَذَكَرَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ تَرْجَمَةً، وَذَكَرَا أَنَّهُ سَمِعَ قُرَّةَ بْنَ دَعْمُوصٍ، وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ جَرْحًا وَلَا تَعْدِيلًا.
وَظَاهِرُ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ دِيَةَ الْمَقْتُولِ تُقَسَّمُ كَسَائِرِ تَرَكَتِهِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ ; سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ خِلَافٍ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا مِيرَاثٌ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute