وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» : هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; مِنْهُمْ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَطَاوُسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ عَفْوٌ ; أَيْ: فَهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ عِنْدَهُمْ فِي اسْمِ الْوَلِيِّ الَّذِي لَهُ السُّلْطَانُ فِي الْآيَةِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَوْرُوثٌ لِلْعَصَبَاتِ خَاصَّةً، وَهُوَ وَجْهٌ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ تَفْصِيلٌ: فَالْوَلِيُّ الَّذِي لَهُ السُّلْطَانُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الَّذِي هُوَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ أَوِ الْعَفْوُ عِنْدَهُ هُوَ أَقْرَبُ الْوَرَثَةِ الْعَصَبَةِ الذُّكُورِ، وَالْجَدُّ وَالْإِخْوَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ:
وَالِاسْتِيفَاءُ لِلْعَاصِبِ كَالْوَلَاءِ ... ، إِلَّا الْجَدُّ وَالْأُخْوَةُ فَسِيَّانٌ
اه.
وَلَيْسَ لِلزَّوْجَيْنِ عِنْدَهُ حَقٌّ فِي الْقِصَاصِ وَلَا الْعَفْوِ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ غَيْرُ الْوَارِثَاتِ: كَالْعَمَّاتِ، وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ، وَبَنَاتِ الْعَمِّ.
أَمَّا النِّسَاءُ الْوَارِثَاتُ: كَالْبَنَاتِ، وَالْأَخَوَاتِ، وَالْأُمَّهَاتِ فَلَهُنَّ الْقِصَاصُ، وَهَذَا فِيمَا إِذَا لَمْ يُوجَدْ عَاصِبٌ مُسَاوٍ لَهُنَّ فِي الدَّرَجَةِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ:
وَلِلنِّسَاءِ إِنْ وَرِثْنَ وَلَمْ يُسَاوِهُنَّ عَاصِبٌ
فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: «إِنْ وَرِثْنَ» أَنَّ غَيْرَ الْوَارِثَاتِ لَا حَقَّ لَهُنَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ.
وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: «وَلَمْ يُسَاوِهُنَّ عَاصِبٌ» أَنَّهُنَّ إِنْ سَاوَاهُنَّ عَاصِبٌ: كَبَنِينٍ، وَبَنَاتٍ، وَإِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ، فَلَا كَلَامَ لِلْإِنَاثِ مَعَ الذُّكُورِ. وَأَمَّا إِنْ كَانَ مَعَهُنَّ عَاصِبٌ غَيْرُ مُسَاوٍ لَهُنَّ: كَبَنَاتٍ، وَإِخْوَةٍ ; فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْقِصَاصَ وَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ إِلَّا بِاجْتِمَاعِ الْجَمِيعِ ; أَعْنِي وَلَوْ عَفَا بَعْضُ هَؤُلَاءِ، وَبَعْضُ هَؤُلَاءِ. وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ:
وَلِكُلٍّ الْقَتْلُ وَلَا عَفْوَ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ
; يَعْنِي: وَلَوْ بَعْضُ هَؤُلَاءِ وَبَعْضُ هَؤُلَاءِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الَّذِي يَقْتَضِي الدَّلِيلُ رُجْحَانَهُ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْوَلِيَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُمُ الْوَرَثَةُ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إِنَاثًا، وَلَا مَانِعَ مِنْ إِطْلَاقِ الْوَلِيِّ عَلَى الْأُنْثَى ; لِأَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الْوَلِيِّ الشَّامِلِ لِكُلِّ مَنِ انْعَقَدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ سَبَبٌ يَجْعَلُ كُلًّا مِنْهُمَا يُوَالِي