مِنْ ثِقَةٍ حَافِظٍ فَوَجَبَ قَبُولُهَا. وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ رِوَايَةَ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ (فِي بَابِ الْقَسَامَةِ) وَذَكَرَ رِوَايَةَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ (فِي بَابِ الْمُوَادَعَةِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ) وَفِيهَا: «تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ» أَوْ صَاحِبَكُمْ. . . الْحَدِيثَ. وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ «تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ» لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ.
وَجَزَمَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْدِيمِ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورَةِ عَلَى رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ - ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ حَافِظٍ لَمْ يُعَارِضْهَا غَيْرُهَا فَيَجِبُ قَبُولُهَا ; كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَعِلْمِ الْأُصُولِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا الْآيَةَ [٢ \ ٧٣] ، وَقَدْ أَسْنَدَ حَدِيثَ سَهْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالْمُدَّعِينَ - يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، وَعِيسَى بْنُ حَمَّادٍ، وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، فَهَؤُلَاءِ سَبْعَةٌ. وَإِنْ كَانَ أَرْسَلَهُ مَالِكٌ، فَقَدْ وَصَلَهُ جَمَاعَةُ الْحُفَّاظِ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (فِي الْمُوَطَّأِ) بَعْدَ أَنْ سَاقَ رِوَايَةَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورَةِ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَالَّذِي سَمِعْتُهُ مِمَّنْ أَرْضَى فِي الْقَسَامَةِ، وَالَّذِي اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ: أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعُونَ فِي الْقَسَامَةِ فَيَحْلِفُونَ. اهـ مَحِلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقَسَامَةَ يُشْتَرَطُ لَهَا لَوْثٌ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ اللَّوْثِ الَّذِي تُحْلَفُ مَعَهُ أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنَّهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ. وَهَلْ يَكْفِي شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ، أَوْ لَا بُدَّ مِنِ اثْنَيْنِ؟ خِلَافٌ عِنْدَهُمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّ تَشْهَدَ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْقَتْلُ كَاثْنَيْنِ غَيْرِ عَدْلَيْنِ.
قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَالَّذِي سَمِعْتُهُ مِمَّنْ أَرْضَى فِي الْقَسَامَةِ، وَالَّذِي اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعُونَ فِي الْقَسَامَةِ فَيَحْلِفُونَ، وَأَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقُولَ الْمَقْتُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَوْ يَأْتِيَ وُلَاةُ الدَّمِ بِلَوْثٍ مِنْ بَيِّنَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَاطِعَةً عَلَى الَّذِي يُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّمُ، فَهَذَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ لِمُدَّعِي الدَّمَ عَلَى مَنِ ادَّعَوْهُ عَلَيْهِ، وَلَا تَجِبُ الْقَسَامَةَ عِنْدَنَا إِلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute