للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْوَجْهَيْنِ. اهـ مَحِلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ، هَكَذَا قَالَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَسَتَأْتِي زِيَادَةٌ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْكَرُوا عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إِيجَابَهُ الْقَسَامَةَ بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ: قَتَلَنِي فُلَانٌ.

قَالُوا: هَذَا قَتْلُ مُؤْمِنٍ بِالْأَيْمَانِ عَلَى دَعْوَى مُجَرَّدَةٍ.

وَاحْتَجَّ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ طَبْعِ النَّاسِ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ: الْإِنَابَةُ وَالتَّوْبَةُ وَالنَّدَمُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنَ الْعَمَلِ السَّيِّئِ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ آيَاتٌ قُرْآنِيَّةٌ ; كَقَوْلِهِ: وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [٦٣ \ ١٠] ، وَقَوْلِهِ: حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ [٤ \ ١٨] ، وَقَوْلِهِ: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ [٤٠ \ ٨٤] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

فَهَذَا مَعْهُودٌ مِنْ طَبْعِ الْإِنْسَانِ، وَلَا يُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَدَعَ قَاتِلَهُ وَيَعْدِلَ إِلَى غَيْرِهِ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا نَادِرٌ فِي النَّاسِ لَا حُكْمَ لَهُ.

الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ قِصَّةَ قَتِيلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِ الْمَقْتُولِ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ.

فَقَدِ اسْتَدَلَّ مَالِكٌ بِقِصَّةِ الْقَتِيلِ الْمَذْكُورِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالْقَسَامَةِ بِقَوْلِهِ: قَتَلَنِي فُلَانٌ، أَوْ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ.

وَرَدَّ الْمُخَالِفُونَ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِأَنَّ إِحْيَاءَ الْقَتِيلِ مُعْجِزَةٌ لِنَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُحْيِيهِ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ بِقَاتِلِهِ خَبَرًا جَازِمًا لَا يَدْخُلُهُ احْتِمَالٌ، فَافْتَرَقَا.

وَرَدَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ بِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ إِنَّمَا كَانَتْ فِي إِحْيَاءِ الْمَقْتُولِ، فَلَمَّا صَارَ حَيًّا كَانَ كَلَامُهُ كَسَائِرِ كَلَامِ النَّاسِ كُلِّهِمْ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ.

قَالَ: وَهَذَا فَنٌّ دَقِيقٌ مِنَ الْعِلْمِ لَمْ يَتَفَطَّنْ لَهُ إِلَّا مَالِكٌ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَ وَجَبَ صِدْقُهُ، فَلَعَلَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْقَسَامَةِ مَعَهُ. اهـ كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ. وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ عِنْدِي ; لِأَنَّ سِيَاقَ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَتِيلَ إِذَا ضُرِبَ بِبَعْضِ الْبَقَرَةِ وَحَيِيَ أَخْبَرَهُمْ بِقَاتِلِهِ، فَانْقَطَعَ بِذَلِكَ النِّزَاعُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا [٢ \ ٧٢] . فَالْغَرَضُ الْأَسَاسِيُّ مِنْ ذَبْحِ الْبَقَرَةِ قَطَعُ النِّزَاعِ بِمَعْرِفَةِ الْقَاتِلِ بِإِخْبَارِ الْمَقْتُولِ إِذَا ضُرِبَ بِبَعْضِهَا فَحَيِيَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَالشَّاهِدُ الْعَدْلُ لَوْثٌ عِنْدَ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>