يُقْسَمُ مَعَ الشَّاهِدِ غَيْرِ الْعَدْلِ وَمَعَ الْمَرْأَةِ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ: أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ لَوْثٌ. وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ لَوْثٌ، دُونَ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: اخْتُلِفَ فِي اللَّوْثِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ: أَنَّهُ الشَّاهِدُ الْعَدْلُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ، قَالَ: وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ.
وَمِمَّنْ أَوْجَبَ الْقَسَامَةَ بِقَوْلِهِ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ: اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ.
وَالَّذِينَ قَالُوا بِالْقَسَامَةِ بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِهِ جِرَاحٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ.
وَالَّذِي بِهِ الْحُكْمُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَثَرِ جُرْحٍ أَوْ ضَرْبٍ بِالْمَقْتُولِ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِدُونِ وُجُودِ أَثَرِ الضَّرْبِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ بَقِيَتْ صُورَتَانِ مِنْ صُوَرِ الْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ.
الْأُولَى: أَنْ يَشْهَدَ عَدْلَانِ بِالضَّرْبِ، ثُمَّ يَعِيشُ الْمَضْرُوبُ بَعْدَهُ أَيَّامًا، ثُمَّ يَمُوتُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ إِفَاقَةٍ. وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ أَيْضًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْقِصَاصُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ عَلَى الضَّرْبِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يُوجَدَ مَقْتُولٌ وَعِنْدَهُ أَوْ بِالْقُرْبِ مِنْهُ مَنْ بِيَدِهِ آلَةُ الْقَتْلِ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ الدَّمِ مَثَلًا، وَلَا يُوجَدُ غَيْرُهُ فَتُشْرَعُ الْقَسَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَيَلْحَقُ بِهَذَا أَنْ تَفْتَرِقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مُقْتَتِلَتَيْنِ: أَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَى الطَّائِفَةِ الَّتِي لَيْسَ مِنْهَا الْقَتِيلُ إِنْ كَانَ مِنْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ.
أَمَّا إِنَّ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمَا فَالْقَسَامَةُ عَلَيْهِمَا، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْقَسَامَةَ عَلَيْهِمَا مَعًا مُطْلَقًا. قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ.
وَأَمَّا اللَّوْثُ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَهُوَ أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ لَمْ يُدْرَ قَاتِلُهُ، فَيَحْلِفُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحِلَّةِ الَّتِي وُجِدَ بِهَا الْقَتِيلُ يَتَخَيَّرُهُمُ الْوَلِيُّ: مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا، ثُمَّ إِذَا حَلَفُوا غُرِّمَ أَهْلُ الْمَحِلَّةِ الدِّيَةَ، وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ، وَلَيْسَ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَسَامَةٌ إِلَّا بِهَذِهِ الصُّورَةِ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ وُجُودَ الْقَتِيلِ بِمَحِلَّةٍ لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ: الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ.