للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَشَرْطُ هَذَا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إِلَّا الْحَنَفِيَّةَ: أَنْ يُوجَدَ بِالْقَتِيلِ أَثَرٌ. وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ وُجُودَ الْقَتِيلِ بِمَحِلَّةٍ لَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ، بَلْ يَكُونُ هَدَرًا ; لِأَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ وَيُلْقَى فِي الْمَحِلَّةِ لِتُلْصَقَ بِهِمُ التُّهْمَةُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُونُوا أَعْدَاءً لِلْمَقْتُولِ وَلَمْ يُخَالِطْهُمْ غَيْرُهُمْ وَإِلَّا وَجَبَتِ الْقَسَامَةُ ; كَقِصَّةِ الْيَهُودِ مَعَ الْأَنْصَارِيِّ.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَإِنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ مَنْ لَا يَثْبُتُ الْقَتْلُ بِشَهَادَتِهِ ; كَالْوَاحِدِ أَوْ جَمَاعَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ. وَكَذَلِكَ تَجِبُ عِنْدَهُ بِوُجُودِ الْمَقْتُولِ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ، وَعِنْدَهُ أَوْ بِالْقُرْبِ مِنْهُ مَنْ بِيَدِهِ آلَةُ الْقَتْلِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الدَّمِ مَثَلًا، وَلَا يُوجَدُ غَيْرُهُ، وَيَلْحَقُ بِهِ افْتِرَاقُ الْجَمَاعَةِ عَنْ قَتِيلٍ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ الْجُمْهُورِ فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ: أَنَّ الْقَسَامَةَ فِيهِ تَكُونُ عَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى دُونَ طَائِفَتِهِ الَّتِي هُوَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ تَجِبُ عِنْدَهُ فِيمَا كَانَ كَقِصَّةِ الْيَهُودِيِّ مَعَ الْأَنْصَارِيِّ.

وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فَاللَّوْثُ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَهُ، فِيهِ رِوَايَتَانِ.

الْأُولَى: أَنَّ اللَّوْثَ هُوَ الْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ بَيْنَ الْمَقْتُولِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، كَنَحْوِ مَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَالْيَهُودِ، وَمَا بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَالْأَحْيَاءِ وَأَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ بَيْنَهُمُ الدِّمَاءُ وَالْحُرُوبُ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ. وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ أَلَّا يُخَالِطَهُمْ غَيْرُهُمْ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّأٍ. وَاشْتَرَطَ الْقَاضِي أَلَّا يُخَالِطَهُمْ غَيْرُهُمْ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ; قَالَهُ فِي الْمُغْنِي.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ اللَّوْثَ هُوَ مَا يَغْلِبُ بِهِ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الْمُدَّعِي، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: الْعَدَاوَةُ الْمَذْكُورَةُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَتَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَوْثًا فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَإِنِ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى وَاحِدٍ فَأَنْكَرَ كَوْنَهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُوجَدَ الْمَقْتُولُ وَيُوجَدَ بِقُرْبِهِ رَجُلٌ مَعَهُ سِكِّينٌ أَوْ سَيْفٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ، وَلَا يُوجَدُ غَيْرُهُ.

الرَّابِعُ: أَنْ تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ فَيَفْتَرِقُوا عَنْ قَتِيلٍ مِنْ إِحْدَاهُمَا، فَاللَّوْثُ عَلَى الْأُخْرَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>