للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ تَحْتَمِلُ انْفِرَادَ وَرِقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَطَعَامِهِ ; فَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى خَلْطِهِمْ طَعَامَهُمْ، كَمَا قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الِاشْتِرَاكِ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ، وَلَهُ وَجْهٌ كَمَا تَرَى.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَا مُعَوَّلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَّا عَلَى حَدِيثَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ مَرَّ بِقَوْمٍ يَأْكُلُونَ تَمْرًا فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الِاقْتِرَانِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ، وَالثَّانِي: حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي جَيْشِ الْخَبَطِ، وَهَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فِي الظُّهُورِ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِيهِمْ كَفَافًا مِنْ ذَلِكَ الْقُوتِ وَلَا يَجْمَعُهُمْ. اهـ كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: هَذَا النَّوْعُ مِنَ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ خَلْطُ الرُّفْقَةِ طَعَامَهُمْ وَاشْتِرَاكُهُمْ فِي الْأَكْلِ فِيهِ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِـ " النِّهْدِ " بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا، وَلِجَوَازِهِ أَدِلَّةٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، أَمَّا دَلِيلُ ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [٢ \ ٢٢٠] ، فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى خَلْطِ طَعَامِ الْيَتِيمِ مَعَ طَعَامِ وَصِيِّهِ وَأَكْلِهِمَا جَمِيعًا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا [٢٤ \ ٦١] ، وَمِنْ صُوَرِ أَكْلِهِمْ جَمِيعًا أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ بَيْنَهُمْ فَيَأْكُلُونَ جَمِيعًا، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ، مِنْهَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا إِلَى السَّاحِلِ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةِ نَفَرٍ، وَأَنَا فِيهِمْ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَجَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلًا حَتَّى فَنِيَ، فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلَّا تَمْرَةً تَمْرَةً، فَقُلْتُ: وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ، ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ. . " الْحَدِيثَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ، وَاللَّفْظُ الَّذِي سُقْنَاهُ بِهِ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ " الشَّرِكَةِ " وَفِيهِ جَمْعُ أَبِي عُبَيْدَةَ بَقِيَّةَ أَزْوَادِ الْقَوْمِ وَخَلْطُهَا فِي مِزْوَدَيْ تَمْرٍ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قُدُومِهِمْ إِلَيْهِ.

وَمِنْهَا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَفَّتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ وَأَمْلَقُوا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ، فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَادِ فِي النَّاسِ فَيَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ " فَبُسِطَ لِذَلِكَ نِطْعٌ وَجَعَلُوهُ عَلَى النِّطْعِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>