للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

" أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ " هَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ، وَاللَّفْظُ الَّذِي سُقْنَاهُ بِهِ لِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا فِي كِتَابِ " الشَّرِكَةِ " وَفِيهِ: خَلَطَ طَعَامَهُمْ بَعْضَهُ مَعَ بَعْضٍ.

وَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْرِنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ، فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْإِقْرَانِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ.

كُلُّ هَذَا ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ " الشَّرِكَةِ "، وَإِذْنُ صَاحِبِهِ لَهُ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّمْرِ كَمَا تَرَى، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا جَوَازَهُ مِنْ خَلْطِ الرُّفَقَاءِ طَعَامَهُمْ وَأَكْلِهِمْ مِنْهُ جَمِيعًا هُوَ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِلَفْظِ النِّهْدِ فِي قَوْلِهِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ: الشَّرِكَةُ فِي الطَّعَامِ وَالنِّهْدِ. إِلَى قَوْلِهِ: لَمْ يَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي النِّهْدِ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ هَذَا بَعْضًا وَهَذَا بَعْضًا وَهَذَا بَعْضًا إِلَخْ.

فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ الشَّرِكَةِ

الْأَوَّلُ: إِنْ دَفَعَ شَخْصٌ دَابَّتَهُ لِآخَرَ لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا وَمَا يَرْزُقُ اللَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثْلَاثًا أَوْ كَيْفَمَا شَرَطَا - فَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِحُّ ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَنُقِلَ نَحْوُهُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ، وَمَا حَصَلَ فَهُوَ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الدَّابَّةِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ: قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي " الْمُغْنِي " وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَصِحُّ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الدَّابَّةِ، وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَأَقْوَى الْأَقْوَالِ دَلِيلًا عِنْدِي فِيهَا مَذْهَبُ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ، كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: إِنْ كَانَ أَحَدُنَا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَأْخُذُ نِضْوَ أَخِيهِ عَلَى أَنَّ لَهُ النِّصْفَ مِمَّا يَغْنَمُ وَلَنَا النِّصْفُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَطِيرُ لَهُ النَّصْلُ وَالرِّيشُ وَلِلْآخَرِ الْقِدْحُ، هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي " نَيْلِ الْأَوْطَارِ ": إِسْنَادُ أَبِي دَاوُدَ فِيهِ شَيْبَانُ بْنُ أُمَيَّةَ الْقِتْبَانِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ هَذَا الْمَجْهُولِ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى جَوَازِ دَفْعِ الرَّجُلِ إِلَى الْآخَرِ رَاحِلَتَهُ فِي الْجِهَادِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْغَنِيمَةُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ عَمَلٌ عَلَى الدَّابَّةِ عَلَى أَنَّ مَا يَرْزُقُهُ اللَّهُ بَيْنَهُمَا كَمَا تَرَى، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْعَمَلِ فِي الْجِهَادِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا يَظْهَرُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>