للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ [١٤ \ ٢٢] ، مِنْ قَبِيلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ.

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ:

الْأُولَى: فِي الْمُرَادِ بِالظَّرْفِ الَّذِي هُوَ «بَيْنَ» ، وَالثَّانِيَةُ: فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ. وَالثَّالِثَةُ: فِي الْمُرَادِ بِالْمَوْبِقِ، وَسَنَذْكُرُ هُنَا أَقْوَالَهُمْ، وَمَا يَظْهَرُ لَنَا رُجْحَانُهُ مِنْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

أَمَّا الْمَوْبِقُ: فَقِيلَ: الْمُهْلِكُ. وَقِيلَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ. وَقِيلَ الْمَوْعِدُ. قَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا يَقُولُ: مُهْلِكًا، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ «مَوْبِقًا» يَقُولُ: مُهْلِكًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ «مَوْبِقًا» قَالَ. وَادٍ فِي جَهَنَّمَ.

وَأَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا قَالَ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ مِنْ قَيْحٍ وَدَمٍ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا قَالَ: هُوَ وَادٍ عَمِيقٌ فِي النَّارِ، فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْهُدَى وَالضَّلَالَةِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَمْرٍو الْبِكَالِيِّ قَالَ: الْمَوْبِقُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ: وَادٍ فِي النَّارِ، بَعِيدُ الْقَعْرِ، يُفَرِّقُ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ النَّاسِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَوْبِقًا، قَالَ: هُوَ نَهْرٌ يَسِيلُ نَارًا عَلَى حَافَتَيْهِ حَيَّاتٌ أَمْثَالَ الْبِغَالِ الدَّهْمِ، فَإِذَا ثَارَتْ إِلَيْهِمْ لِتَأْخُذَهُمُ اسْتَغَاثُوا بِالِاقْتِحَامِ فِي النَّارِ مِنْهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ فِي النَّارِ أَرْبَعَةَ أَوْدِيَةٍ يُعَذِّبُ اللَّهُ بِهَا أَهْلَهَا: غَلِيظٌ، وَمَوْبِقٌ، وَأَثَّامٌ، وَغَيٌّ. انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ. وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: أَنَّ الْمَوْبِقَ: الْمَوْعِدُ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَجَادَ شَرَوْرَى وَالسِّتَّارُ فَلَمْ يَدَعْ ... تِعَارًا لَهُ وَالْوَادِيَيْنِ بِمَوْبِقٍ

يَعْنِي: بِمَوْعِدٍ، وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ الْمَوْبِقَ الْمُهْلِكَ، مِنْ قَوْلِهِمْ وَبَقَ يَبِقُ، كَوَعَدَ يَعِدُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>