للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَا هَلَكَ. وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى وَهِيَ: وَبَقَ يَوْبَقُ كَوَجِلَ يَوْجَلُ، وَلُغَةٌ ثَالِثَةٌ أَيْضًا وَهِيَ: وَبَقَ يَبِقُ كَوَرِثَ يَرِثُ. وَمَعْنَى كُلِّ ذَلِكَ: الْهَلَاكُ. وَالْمَصْدَرُ مِنْ وَبَقَ بِالْفَتْحِ الْوُبُوقُ عَلَى الْقِيَاسِ، وَالْوَبْقُ. وَمِنْ وَبَقَ بِالْكَسْرِ الْوَبَقُ بِفَتْحَتَيْنِ عَلَى الْقِيَاسِ. وَأَوْبَقَتْهُ ذُنُوبُهُ: أَهْلَكَتْهُ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا [٤٢ \ ٣٤] ، أَيْ: يُهْلِكْهُنَّ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ، «فَمُوبِقٌ نَفْسَهُ أَوْ بَائِعُهَا فَمُعْتِقُهَا» وَحَدِيثُ «السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ» أَيِ: الْمُهْلِكَاتِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ زُهَيْرٍ:

وَمَنْ يَشْتَرِي حُسْنَ الثَّنَاءِ بِمَالِهِ ... يَصُنْ عِرْضَهُ عَنْ كُلِّ شَنْعَاءَ مُوبِقِ

وَقَوْلُ مَنْ قَالَ، إِنَّ الْمَوْبِقَ الْعَدَاوَةُ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ الْمَجْلِسُ كِلَاهُمَا ظَاهِرُ السُّقُوطِ. وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ هُوَ مَا قَدَّمْنَا. وَأَمَّا أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُرَادِ بِلَفْظِهِ «بَيْنَ» فَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ وَمَنْ وَافَقَهُ: أَنَّ الْمَوْبِقَ الْعَدَاوَةُ فَالْمَعْنَى وَاضِحٌ ; أَيْ: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ عَدَاوَةً ; كَقَوْلِهِ: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [٤٣ \ ٦٧] ، وَقَوْلِهِ: وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [٢٩ \ ٢٥] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَلَكِنَّ تَفْسِيرَ الْمَوْبِقِ بِالْعَدَاوَةِ بَعِيدٌ كَمَا قَدَّمْنَا. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ بِالْبَيْنِ فِي الْآيَةِ: الْوَصْلُ ; أَيْ: وَجَعَلْنَا تَوَاصُلَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِلْكًا لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ [٢ \ ١٦٦] ، أَيِ: الْمُوَاصَلَاتُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا. وَكَمَا قَالَ: كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [١٩ \ ٨٢] ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [٢٩ \ ٢٥] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا: جَعَلْنَا الْهَلَاكَ بَيْنَهُمْ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ مُعِينٌ عَلَى هَلَاكِ الْآخَرِ لِتَعَاوُنِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الْعَذَابِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [٤٣ \ ٣٩] ، وَقَوْلُهُ: قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ [٧ \ ٣٨] ، وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا: أَيْ: بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ مَوْبِقًا، أَيْ: مُهْلِكًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ، فَالدَّاخِلُ فِيهِ، فِي هَلَاكٍ، وَالْخَارِجُ عَنْهُ فِي عَافِيَةٍ. وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي وَأَجْرَاهَا عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، أَنَّ الْمَعْنَى: وَجَعَلْنَا بَيْنَ الْكُفَّارِ وَبَيْنَ مَنْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَيُشْرِكُونَهُمْ مَعَ اللَّهِ مَوْبِقًا أَيْ: مُهْلِكًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>