الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ، وَهَذَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالَاتِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [١ \ ٧] ، وَقَوْلُهُ: وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ٥ [٥ \ ٧٧] .
الثَّانِي: الضَّلَالُ بِمَعْنَى الْهَلَاكِ وَالْغَيْبَةِ وَالِاضْمِحْلَالِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ: ضَلَّ السَّمْنُ فِي الطَّعَامِ إِذَا اسْتَهْلَكَ فِيهِ وَغَابَ فِيهِ، وَمِنْهُ بِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [٦ \ ٢٤] ، أَيْ: غَابَ وَاضْمَحَلَّ، وَقَوْلُهُ هُنَا: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ [١٨ \ ١٠٤] ، أَيْ: بَطَلَ وَاضْمَحَلَّ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلَمْ تَسْأَلْ فَتُخْبِرْكَ الدِّيَارُ ... عَنِ الْحَيِّ الْمُضَلَّلِ أَيْنَ سَارُوا
أَيْ: عَنِ الْحَيِّ الَّذِي غَابَ وَاضْمَحَلَّ، وَمِنْ هُنَا سُمِّيَ الدَّفْنُ إِضْلَالًا ; لِأَنَّ مَآلَ الْمَيِّتِ الْمَدْفُونِ إِلَى أَنْ تَخْتَلِطَ عِظَامُهُ بِالْأَرْضِ، فَيَضِلَّ فِيهَا كَمَا يَضِلُّ السَّمْنُ فِي الطَّعَامِ، وَمِنْ إِطْلَاقِ الضَّلَالِ عَلَى الدَّفْنِ قَوْلُ نَابِغَةَ ذُبْيَانَ:
فَآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ ... وَغُودِرَ بِالْجَوَلَانِ حَزْمٍ وَنَائِلِ
فَقَوْلُهُ «مُضِلُّوهُ» يَعْنِي دَافِنِيهِ فِي قَبْرِهِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ الْآيَةَ [٣٢ \ ١٠] ، فَمَعْنَى ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَنَّهُمُ اخْتَلَطَتْ عِظَامُهُمُ الرَّمِيمُ بِهَا فَغَابَتْ وَاسْتَهْلَكَتْ فِيهَا.
الثَّالِثُ: الضَّلَالُ بِمَعْنَى الذَّهَابِ عَنْ عِلْمِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ الْمُطَابِقَةِ لِلْوَاقِعِ، وَمِنْهُ بِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [٩٣ \ ٧] ، أَيْ: ذَاهِبًا عَمَّا تَعْلَمُهُ الْآنَ مِنَ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ الَّتِي لَا تُعْرَفُ إِلَّا بِالْوَحْيِ فَهَدَاكَ إِلَى تِلْكَ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ بِالْوَحْيِ، وَحَدَّدَ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ: قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ [١٢ \ ٩٥] ، أَيْ: ذَهَابُكَ عَنِ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ أَمْرِ يُوسُفَ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تَطْمَعُ فِي رُجُوعِهِ إِلَيْكَ ; وَذَلِكَ لَا طَمَعَ فِيهِ عَلَى أَظْهَرِ التَّفْسِيرَاتِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا [٢ \ ٢٨٢] ، أَيْ: تَذْهَبُ عَنْ حَقِيقَةِ عِلْمِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِنِسْيَانٍ أَوْ نَحْوِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى [٢ \ ٢٨٢] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى [٢٠ \ ٥٢] ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الشَّاعِرِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute