وَتَظُنُّ سَلْمَى أَنَّنِي أَبْغِي بِهَا ... بَدَلًا أُرَاهَا فِي الضَّلَالِ تَهِيمُ
فَقَوْلُهُ «أُرَاهَا فِي الضَّلَالِ» : أَيْ: الذَّهَابِ عَنْ عَلَمِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ حَيْثُ تَظُنُّنِي أَبْغِي بِهَا بَدَلًا، وَالْوَاقِعُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَهُمْ يَحْسَبُونَ، أَيْ: يَظُنُّونَ، وَقَرَأَهُ بَعْضُ السَّبْعَةِ بِكَسْرِ السِّينِ، وَبَعْضُهُمْ بِفَتْحِهَا كَمَا قَدَّمْنَا مِرَارًا فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَمَفْعُولَا «حَسِبَ» هُمَا الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ اللَّذَانِ عَمِلَتْ فِيهِمَا «أَنَّ» وَالْأَصْلُ وَيَحْسَبُونَ أَنْفُسَهُمْ مُحْسِنِينَ صُنْعَهُمْ، وَقَوْلُهُ «صُنْعًا» أَيْ: عَمَلًا وَبَيْنَ قَوْلِهِ «يَحْسَبُونَ، وَيُحْسِنُونَ» الْجِنَاسُ الْمُسَمَّى عِنْدَ أَهْلِ الْبَدِيعِ «تَجْنِيسَ التَّصْحِيفِ» وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّقْطُ فَرْقًا بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ، كَقَوْلِ الْبُحْتُرِيِّ:
وَلَمْ يَكُنِ الْمُغْتَرُّ بِاللَّهِ إِذْ سَرَى ... لِيُعْجِزَ وَالْمُعْتَزُّ بِاللَّهِ طَالِبُهُ
فَبَيْنَ «الْمُغْتَرِّ وَالْمُعْتَزِّ» الْجِنَاسُ الْمَذْكُورُ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ الْآيَةَ [١٨ \ ١٠٥] ، نَصٌّ فِي أَنَّ الْكُفْرَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ يُحْبِطُ الْعَمَلَ، وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي «الْعَنْكَبُوتِ» وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [٢٩ \ ٢٣] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَسَيَأْتِي بَعْضُ أَمْثِلَةٍ لِذَلِكَ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [١٨ \ ١٠٥] ، فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ حَسَنَاتٌ تُوزَنُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى فِي مُقَابَلَةِ سَيِّئَاتِهِمْ، بَلْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا السَّيِّئَاتُ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ، [٢٣ \ ١٠٣ - ١٠٤] ، وَقَالَ: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ الْآيَةَ [٧ \ ٨ - ٩] ، وَقَالَ: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا نَارٌ حَامِيَةٌ [١٠١ \ ٨ - ١٠] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute