صِحَّتَهُ مِنْ قَبِيلِ الشَّوَاهِدِ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَإِنَّهَا تُصَيِّرُهُ صَحِيحًا، وَالثَّانِيَةُ هِيَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ تَوْثِيقِ ابْنِ حِبَّانَ الْمُخَدَّجِيَّ الْمَذْكُورَ، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ الْمَذْكُورُ فِيهِ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِكُفْرٍ ; لِأَنَّ كَوْنَهُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ، دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْكُفْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [٤ \ ١١٦] .
وَمِنْ أَدِلَّةِ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ الْمُقِرَّ بِوُجُوبِهَا غَيْرُ كَافِرٍ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ، فَإِنْ أَتَمَّهَا وَإِلَّا قِيلَ انْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أُكْمِلَتِ الْفَرِيضَةُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ يُفْعَلُ بِسَائِرِ الْأَعْمَالِ الْمَفْرُوضَةِ مِثْلُ ذَلِكَ» اهـ.
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي) نَيْلِ الْأَوْطَارِ (: الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ: طَرِيقَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ بِأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ مُتَّصِلَةٌ بِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَكُلُّهَا لَا مَطْعَنَ فِيهَا، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ هُوَ وَلَا الْمُنْذِرِيُّ بِمَا يُوجِبُ ضَعْفَهُ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقٍ إِسْنَادُهَا جَيِّدٌ وَرِجَالُهَا رِجَالُ الصَّحِيحِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَصَحَّحَهَا ابْنُ الْقَطَّانِ، وَأَخْرَجَ الْحَدِيثَ الْحَاكِمُ) فِي الْمُسْتَدْرَكِ (وَقَالَ: هَذَا صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَفِي الْبَابِ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ: وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ) فِي الْمُسْتَدْرَكِ (وَقَالَ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. انْتَهَى مَحِلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى عَدَمِ كُفْرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ أَنَّ نُقْصَانَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ وَإِتْمَامَهَا مِنَ النَّوَافِلِ يَتَنَاوَلُ بِعُمُومِهِ تَرْكَ بَعْضِهَا عَمْدًا، كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ عُمُومِ اللَّفْظِ كَمَا تَرَى.
وَقَالَ الْمَجْدُ) فِي الْمُنْتَقَى (بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْأَدِلَّةَ الَّتِي ذَكَرْنَا عَلَى عَدَمِ كُفْرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ الْمُقِرِّ بِوُجُوبِهَا، مَا نَصُّهُ: وَيُعَضِّدُ هَذَا الْمَذْهَبَ عُمُومَاتٌ، وَمِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَهِدَ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ: «يَا مُعَاذُ» ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute