وَبِنْتِ كَرِيمٍ قَدْ نَكَحْنَا وَلَمْ يَكُنْ ... لَهَا خَاطِبٌ إِلَّا السِّنَانَ وَعَامِلَهْ
وَقَوْلُ جِرَانِ الْعَوْدِ:
وَبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ ... إِلَّا الْيَعَافِيرُ وَإِلَّا الْعِيسُ
«فَالسِّنَانُ» لَيْسَ مِنْ جِنْسِ «الْخَاطِبِ» وَ «الْيَعَافِيرُ وَالْعِيسُ» لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ جِنْسِ «الْأَنِيسِ» .
وَقَوْلُ ضِرَارِ بْنِ الْأَزْوَرِ:
أُجَاهِدُ إِذْ كَانَ الْجِهَادُ غَنِيمَةً ... وَلَلَّهُ بِالْعَبْدِ الْمُجَاهِدِ أَعْلَمْ
عَشِيَّةً لَا تُغْنِي الرِّمَاحُ مَكَانَهَا ... وَلَا النَّبْلُ إِلَّا الْمَشْرِقِيَّ الْمُصَمِّمْ
وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا تَعَلْمُ صِحَّةَ وُقُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ كَمَا عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأُصُولِيِّينَ خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ: بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِخْرَاجُ مَا دَخَلَ فِي اللَّفْظِ، وَغَيْرُ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي اللَّفْظِ أَصْلًا حَتَّى يَخْرُجَ بِالِاسْتِثْنَاءِ.
تَنْبِيهَاتٌ
الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّ تَحْقِيقَ الْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ يَحْصُلُ بِأَمْرَيْنِ يَتَحَقَّقُ بِوُجُودِهِمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ، وَإِنِ اخْتَلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَهُوَ مُنْقَطِعٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، نَحْوُ: جَاءَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، نَحْوُ: جَاءَ الْقَوْمُ إِلَّا حِمَارًا، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَى الْمُسْتَثْنَى بِنَقِيضِ الْحُكْمِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَقِيضَ الْإِثْبَاتِ النَّفْيُ كَالْعَكْسِ، وَمِنْ هُنَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتًا، وَمِنَ الْإِثْبَاتِ نَفْيًا، فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى الْمُسْتَثْنَى لَيْسَ نَقِيضَ الْحُكْمِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى [٤٤ \ ٥٦] ، اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ عَلَى التَّحْقِيقِ، مَعَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [٤ \ ٢٩] ، وَإِنَّمَا كَانَ مُنْقَطِعًا فِي الْآيَتَيْنِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَى الْمُسْتَثْنَى بِنَقِيضِ الْحُكْمِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَنَقِيضُ: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا، هُوَ: يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ، وَهَذَا النَّقِيضُ الَّذِي هُوَ ذَوْقُ الْمَوْتِ فِي الْآخِرَةِ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى بَلْ حُكِمَ بِالذَّوْقِ فِي الدُّنْيَا، وَنَقِيضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute