للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ كُلُوهَا بِالْبَاطِلِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ فِي الْمُسْتَثْنَى.

فَتَحَصَّلَ أَنَّ انْقِطَاعَ الِاسْتِثْنَاءِ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا بِالْحُكْمِ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، كَقَوْلِكَ: رَأَيْتُ أَخَوَيْكَ إِلَّا ثَوْبًا، الثَّانِي: بِالْحُكْمِ بِغَيْرِ النَّقِيضِ، نَحْوُ: رَأَيْتُ أَخَوَيْكَ إِلَّا زَيْدًا لَمْ يُسَافِرْ.

التَّنْبِيهُ الثَّانِي

اعْلَمْ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ بَعْضُ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ، فَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ لِآخَرَ فَقَالَ لَهُ: عَلَيَّ أَلْفُ دِينَارٍ إِلَّا ثَوْبًا، فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ يَكُونُ قَوْلُهُ «إِلَّا ثَوْبًا» لَغْوًا وَتَلْزَمُهُ الْأَلْفُ كَامِلَةً، وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ لَا يُلْغَى قَوْلُهُ «إِلَّا ثَوْبًا» وَتَسْقُطُ قِيمَةُ الثَّوْبِ مِنَ الْأَلْفِ، وَالَّذِينَ قَالُوا تَسْقُطُ قِيمَتُهُ اخْتَلَفُوا فِي تَوْجِيهِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَجَازٌ، وَأَنَّهُ أَطْلَقَ الثَّوْبَ وَأَرَادَ قِيمَتَهُ، وَالثَّانِي: أَنَّ فِيهِ إِضْمَارًا، أَيْ: حَذْفَ مُضَافٍ، يَعْنِي: إِلَّا قِيمَةَ ثَوْبٍ، فَمَنْ قَالَ يُقَدَّمُ الْمَجَازُ عَلَى الْإِضْمَارِ قَالَ «إِلَّا ثَوْبًا» مَجَازٌ، أَطْلَقَ الثَّوْبَ وَأَرَادَ الْقِيمَةَ، كَإِطْلَاقِ الدَّمِ عَلَى الدِّيَةِ، وَمَنْ قَالَ يُقَدَّمُ الْإِضْمَارُ عَلَى الْمَجَازِ قَالَ «إِلَّا ثَوْبًا» ، أَيْ: إِلَّا قِيمَةَ ثَوْبٍ، وَاعْتَمَدَ صَاحِبُ مَرَاقِي السُّعُودِ تَقْدِيمَ الْمَجَازِ عَلَى الْإِضْمَارِ فِي قَوْلِهِ:

وَبَعْدَ تَخْصِيصٍ مَجَازٌ يَلِي ... الْإِضْمَارُ فَالنَّقْلُ عَلَى الْمُعَوَّلِ

وَمَعْنَى الْبَيْتِ: أَنَّ الْمُقَدَّمَ عِنْدَهُمُ التَّخْصِيصُ، ثُمَّ الْمَجَازُ، ثُمَّ الْإِضْمَارُ، ثُمَّ النَّقْلُ، مِثَالُ تَقْدِيمِ التَّخْصِيصِ عَلَى الْمَجَازِ إِذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [٩ \ ٥] ، يَحْتَمِلُ التَّخْصِيصَ ; لِأَنَّ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ كَالذِّمِّيِّينَ وَالْمُعَاهِدِينَ أَخْرَجَهُمْ دَلِيلٌ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ الْمُشْرِكِينَ، وَيَحْتَمِلُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَجَازِ أَنَّهُ مَجَازٌ مُرْسَلٌ، أَطْلَقَ فِيهِ الْكُلَّ وَأَرَادَ الْبَعْضَ، فَيُقَدَّمُ التَّخْصِيصُ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّفْظَ يَبْقَى حَقِيقَةً فِي مَا لَمْ يُخْرِجْهُ الْمُخَصِّصُ، وَالْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ.

الثَّانِي أَنَّ اللَّفْظَ يَبْقَى مُسْتَصْحَبًا فِي الْأَفْرَادِ الْبَاقِيَةِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى قَرِينَةٍ، وَمِثَالُ تَقْدِيمِ الْمَجَازِ عَلَى الْإِضْمَارِ عِنْدَ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، قَوْلُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ الَّذِي هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا: أَنْتَ أَبِي، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَجَازٌ مُرْسَلٌ، مِنْ إِطْلَاقِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ، أَيْ: أَنْتَ عَتِيقٌ ; لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ يَلْزَمُهَا الْعِتْقُ، وَيَحْتَمِلُ الْإِضْمَارَ، أَيْ: أَنْتَ مِثْلُ أَبِي فِي الشَّفَقَةِ وَالتَّعْظِيمِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُعْتَقُ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا يُعْتَقُ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>