نَحْنُ بِصَدَدِهَا، وَمِثَالُ تَقْدِيمِ الْإِضْمَارِ عَلَى النَّقْلِ عِنْدَ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحَرَّمَ الرِّبَا [٢ \ ٢٧٥] ، يَحْتَمِلُ الْإِضْمَارَ، أَيْ: أَخْذُ الرِّبَا وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ مَثَلًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ حُذِفَ الدِّرْهَمُ الزَّائِدُ لَصَحَّ الْبَيْعُ فِي الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ، وَيَحْتَمِلُ نَقْلَ الرِّبَا إِلَى مَعْنَى الْعَقْدِ، فَيَمْتَنِعُ عَقْدُ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَلَوْ حُذِفَ الزَّائِدُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ جَدِيدٍ مُطْلَقًا.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرُوهُمَا فِي: «لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِينَارٍ إِلَّا ثَوْبًا» ، وَهُمَا الْإِضْمَارُ وَالنَّقْلُ يَرْجِعُ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَى كَوْنِهِ مُتَّصِلًا ; لِأَنَّ قِيمَةَ الثَّوْبِ مِنْ جِنْسِ الْأَلْفِ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا، سَوَاءٌ قُلْنَا إِنَّ الْقِيمَةَ مُضْمَرَةٌ، أَوْ قُلْنَا إِنَّهَا مُعَبَّرٌ عَنْهَا بِلَفْظِ الثَّوْبِ.
التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ
اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ ; لِأَنَّ الَّذِينَ مَنَعُوهُ لَمْ يَمْنَعُوهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا قَالُوا: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْحَقِيقِيِّ ; لِأَنَّ أَدَاةَ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ بِمَعْنَى «لَكِنْ» فَهُوَ إِلَى الِاسْتِدْرَاكِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَبَعْضُ الْقَائِلِينَ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ يَقُولُ: إِنَّ الثَّوْبَ فِي الْمِثَالِ الْمُتَقَدِّمِ لَغْوٌ، وَيُعَدُّ نَدَمًا مِنَ الْمُقِرِّ بِالْأَلْفِ، وَالنِّسْبَةُ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ، قِيلَ إِنَّهَا نِسْبَةُ تَوَاطُؤٍ، وَقِيلَ: إِنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ، وَإِلَى مَسْأَلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَّصِلِ أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ، بِقَوْلِهِ:
وَالْحُكْمُ بِالنَّقِيضِ لِلْحُكْمِ حَصَلْ ... لِمَا عَلَيْهِ الْحُكْمُ قَبْلُ مُتَّصِلْ
وَغَيْرُهُ مُنْقَطِعٌ وَرَجَّحَا ... جَوَازَهُ وَهُوَ مَجَازٌ أَوْضَحَا
فَلْتُنْمِ ثَوَابًا بَعْدَ أَلْفِ دِرْهَمِ ... لِلْحَذْفِ وَالْمَجَازِ أَوْ لِلنَّدَمِ
وَقِيلَ بِالْحَذْفِ لَدَى الْإِقْرَارِ ... وَالْعَقْدُ مَعْنَى الْوَاوِ فِيهِ جَارِ
بِشَرِكَةٍ وَبِالتَّوَاطِي قَالَ ... بَعْضٌ وَأَوْجَبَ فِيهِ الِاتِّصَالَا
وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا [١٩ \ ٦٢] ، مُنْقَطِعٌ، هُوَ الظَّاهِرُ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَبِيلِ تَأْكِيدِ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ، كَقَوْلِ نَابِغَةَ ذُبْيَانَ:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute