وَمِثَالُ إِبْطَالِ الطَّرْدِيِّ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فِي الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أَعْرَابِيٌّ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ جَاءَ يَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَضْرِبُ صَدْرَهُ، وَالْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةَ فِي الْأُصُولِ: أَنَّ الْمِثَالَ لَا يُعْتَرَضُ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ بَيَانُ الْقَاعِدَةِ، وَيَكْفِي فِيهِ الْفَرْضُ وَمُطْلَقُ الِاحْتِمَالِ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ بِقَوْلِهِ:
وَالشَّأْنُ لَا يَعْتَرِضُ الْمِثَالَ ... إِذْ قَدْ كَفَى الْغَرَضَ وَالِاحْتِمَالَ
فَإِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَهُ أَعْرَابِيًّا، وَكَوْنَهُ جَاءَ يَضْرِبُ صَدْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ مِنْ أَوْصَافِ الْمَحِلِّ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَهِيَ أَوْصَافٌ يَجِبُ إِبْطَالُهَا وَعَدَمُ تَعْلِيلِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِهَا ; لِأَنَّهَا أَوْصَافٌ طَرْدِيَّةٌ لَا تَحْصُلُ مِنْ إِنَاطَةِ الْحُكْمِ بِهَا فَائِدَةٌ أَصْلًا، فَالْأَعْرَابِيُّ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَمَنْ جَاءَ فِي سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَمَنْ جَاءَ يَضْرِبُ صَدْرَهُ وَيَنْتِفُ شَعْرَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ أَيْضًا، وَمِثَالُ الْإِبْطَالِ بِكَوْنِ الْوَصْفِ طَرْدِيًّا فِي الْبَابِ الَّذِي فِيهِ النِّزَاعُ دُونَ غَيْرِهِ، حَدِيثُ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ. . .» الْحَدِيثَ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي سُورَةِ «الْإِسْرَاءِ وَالْكَهْفِ» فَلَفْظُ الْعَبْدِ الذَّكَرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ، فَمَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي أَمَةٍ فَكَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ عُرِفَ مِنِ اسْتِقْرَاءِ الشَّرْعِ أَنَّ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعِتْقِ وَصْفَانِ طَرْدِيَّانِ لَا تُنَاطُ بِهِمَا أَحْكَامُ الْعِتْقِ، وَإِنْ كَانَتِ الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ غَيْرَ طَرْدِيَّيْنِ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ كَالْمِيرَاثِ وَالشَّهَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْوَصْفُ الطَّرْدِيُّ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْأُصُولِ: هُوَ مَا عُلِمَ مِنَ الشَّرْعِ إِلْغَاؤُهُ وَعَدَمُ اعْتِبَارِهِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي إِنَاطَةِ الْحُكْمِ بِهِ مَصْلَحَةٌ أَصْلًا فَهُوَ خَالٍ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ، وَمِنْ طُرُقِ الْإِبْطَالِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَصْرِ أَلَّا تَظْهَرَ لِلْوَصْفِ مُنَاسَبَةٌ، وَالْمُنَاسَبَةُ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْأُصُولِ: هِيَ كَوْنُ إِنَاطَةِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَصْلَحَةٌ فَعَدَمُ الْمُنَاسَبَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ طُرُقِ إِبْطَالِهِ فِي مَسْلَكِ السَّبْرِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ ظُهُورِ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْوَصْفِ لَا يُبْطِلُهُ فِي بَعْضِ الْمَسَالِكِ - غَيْرِ السَّبْرِ - كَالْإِيمَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالدَّوَرَانِ، فَالْأَحْوَالُ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ: أَنْ تَظْهَرَ الْمُنَاسَبَةُ، وَظُهُورُهَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي مَسْلَكِ السَّبْرِ وَمَسْلَكِ الْمُنَاسَبَةِ وَالْإِخَالَةِ.
الثَّانِي: أَلَّا تَظْهَرَ الْمُنَاسَبَةُ وَلَا عَدَمُهَا، وَهَذَا يَكْفِي فِي الدَّوَرَانِ وَالْإِيمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute