للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثَّالِثُ: أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ الْمُنَاسَبَةِ، فَيَكُونَ الْوَصْفُ طَرْدِيًّا كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا.

وَمِنْ طُرُقِ الْإِبْطَالِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَصْرِ كَوْنُ الْوَصْفِ مُلْغًى وَإِنْ كَانَ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَيَكُونُ الْإِلْغَاءُ بِاسْتِقْلَالِ الْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى بِالْحُكْمِ دُونَهُ فِي صُورَةٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا، حَكَاهُ الْفِهْرَيُّ، وَمِثَالُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: إِنَّ الْكَيْلَ وَالِاقْتِيَاتَ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَوْصَافٌ مُلْغَاةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي مِلْءِ كَفٍّ مِنَ الْبُرِّ ; لِأَنَّهُ لَا يُكَالُ وَلَا يُقَاتُ لِقِلَّتِهِ، فَعِلَّةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهِ الطَّعْمُ لِاسْتِقْلَالِ عِلَّةِ الطَّعْمِ بِالْحُكْمِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَوْصَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَالْقَصْدُ مُطْلَقُ التَّمْثِيلِ، لَا مُنَاقَشَةُ الْأَمْثِلَةِ.

وَمِنْ طُرُقِ الْإِبْطَالِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَصْرِ كَوْنُ الْوَصْفِ الَّذِي أَبْقَاهُ الْمُسْتَدِلُّ مُتَعَدِّيًا مِنْ مَحِلِّ الْحُكْمِ إِلَى غَيْرِهِ، وَالْوَصْفُ الَّذِي يُرِيدُ الْمُعْتَرِضُ إِبْقَاءَهُ قَاصِرٌ عَلَى مَحِلِّ الْحُكْمِ، قَالَ صَاحِبُ) الضِّيَاءِ اللَّامِعِ (: وَذَلِكَ يُشْبِهُ تَعَارُضَ الْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ وَالْقَاصِرَةِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمِثَالُهُ: اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي عِلَّةِ الْكَفَّارَةِ فِي الْإِفْطَارِ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ خُصُوصُ الْجِمَاعِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ رَمَضَانَ، فَكَوْنُ الْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ الْجِمَاعَ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّعَدِّي عَنْ مَحِلِّ الْحُكْمَ إِلَى غَيْرِهِ، فَلَا تَكُونُ كَفَّارَةٌ إِلَّا فِي الْجِمَاعِ خَاصَّةً، وَكَوْنُهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ رَمَضَانَ يَقْضِي التَّعَدِّي فِي مَحِلِّ الْحُكْمِ إِلَى غَيْرِهِ، فَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِجَامِعِ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ رَمَضَانَ فِي الْجَمِيعِ مِنْ جِمَاعٍ وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَيَتَرَجَّحُ هَذَا الْوَصْفُ بِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا عَلَى الْآخَرِ لِقُصُورِهِ عَلَى حَمْلِ الْحُكْمِ وَقَصْدُنَا التَّمْثِيلُ لَا مُنَاقَشَةُ الْأَمْثِلَةِ، وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَا أَنْ يَأْتِيَ مَنْ يَقُولُ: الْعِلَّةُ الْجِمَاعُ، بِمُرَجِّحَاتٍ أُخَرَ لِعِلَّتِهِ، وَأَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ إِلَى طُرُقِ الْإِبْطَالِ الْمَذْكُورَةِ بِقَوْلِهِ:

أَبْطِلْ لِمَا طَرْدًا يُرَى ... وَيُبْطَلُ غَيْرَ مُنَاسِبٍ لَهُ الْمُنْخَزِلُ

كَذَلِكَ بِالْإِلْغَا وَإِنْ قَدْ نَاسَبَا ... وَيَتَعَدَّى وَصْفُهُ الَّذِي اجْتَبَى

هَذَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ أَهْلِ الْأُصُولِ فِي الْمَقْصُودِ عِنْدَهُمْ بِهَذَا الدَّلِيلِ الَّذِي هُوَ السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ

اعْلَمْ: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ يُخَالِفُ الْمَقْصُودَ مِنْهُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْجَدَلِيِّينَ، فَالتَّقْسِيمُ عِنْدَ الْمَنْطِقِيِّينَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْأَوْصَافِ الَّتِي بَيْنَهَا تَنَافٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>