وَتَنَافُرٌ، وَهَذَا التَّقْسِيمُ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ عِنْدَهُمْ بِالشَّرْطِيِّ الْمُنْفَصِلِ، وَمَقْصُودُهُمْ مِنْ ذِكْرِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ الْمُتَنَافِيَةِ هُوَ أَنْ يَسْتَدِلُّوا بِوُجُودِ بَعْضِهَا عَلَى عَدَمِ بَعْضِهَا، وَبِعَدَمِهِ عَلَى وُجُودِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ عِنْدَهُمْ) بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّرْطِيِّ الْمُنْفَصِلِ (وَحَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ عِنْدَهُمْ هُوَ «لَكِنَّ» وَالتَّنَافِي الْمَذْكُورُ بَيْنَ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ يَحْصُرُهُ الْعَقْلُ فِي ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ مَعًا، أَوِ الْوُجُودِ فَقَطْ، أَوِ الْعَدَمِ فَقَطْ، وَلَا رَابِعَ أَلْبَتَّةَ.
فَإِنْ كَانَ فِي الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ مَعًا، فَهِيَ عِنْدَهُمُ الشَّرْطِيَّةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالْحَقِيقِيَّةِ، وَهِيَ مَانِعَةُ الْجَمِيعِ وَالْخُلُوِّ مَعًا، وَلَا تَتَرَكَّبُ إِلَّا مِنَ النَّقِيضَيْنِ، أَوْ مِنَ الشَّيْءِ وَمُسَاوِي نَقِيضَيْهِ، وَضَابِطُهَا أَنَّ طَرَفَيْهَا لَا يَجْتَمِعَانِ مَعًا وَلَا يَرْتَفِعَانِ مَعًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ أَحَدِهِمَا وَعَدَمِ الْآخَرِ، وَعَدَمُ اجْتِمَاعِهِمَا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُنَافَرَةِ وَالْعِنَادِ فِي الْوُجُودِ، وَعَدَمُ ارْتِفَاعِهِمَا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُنَافَرَةِ وَالْعِنَادِ فِي الْعَدَمِ، وَضُرُوبُهَا الْأَرْبَعَةُ مُنْتِجَةٌ، كَمَا لَوْ قُلْتَ: الْعَدَدُ إِمَّا زَوْجٌ وَإِمَّا فَرْدٌ، فَلَوْ قُلْتَ: لَكِنَّهُ زَوْجٌ أَنْتَجَ فَهُوَ غَيْرُ فَرْدٍ، وَلَوْ قُلْتَ: لَكِنَّهُ فَرْدٌ أَنْتَجَ فَهُوَ غَيْرُ زَوْجٍ، وَلَوْ قُلْتَ: وَلَكِنَّهُ غَيْرُ زَوْجٍ أَنْتَجَ فَهُوَ فَرْدٌ، وَلَوْ قُلْتَ: لَكِنَّهُ غَيْرُ فَرْدٍ أَنْتَجَ فَهُوَ زَوْجٌ، وَضَابِطُ قِيَاسِهَا أَنَّهُ يُرْجَعُ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِعَدَمِ النَّقِيضِ أَوْ مُسَاوِيهِ عَلَى وُجُودِ النَّقِيضِ، أَوْ مُسَاوِيهِ كَعَكْسِهِ.
وَإِنْ كَانَ التَّنَافُرُ وَالْعِنَادُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا فِي الْوُجُودِ فَقَطْ فَهِيَ مَانِعَةُ الْجَمْعِ الْمُجَوِّزَةُ لِلْخُلُوِّ، وَلَا يَلْزَمُ فِيهَا حَصْرُ الْأَوْصَافِ، وَلَا تَتَرَكَّبُ إِلَّا مِنْ قَضِيَّةٍ وَأَخَصُّ مِنْ نَقِيضِهَا، وَضَابِطُهَا: أَنَّ طَرَفَيْهَا لَا يَجْتَمِعَانِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُنَافَرَةِ وَالْعِنَادِ فِي الْوُجُودِ، وَلَا مَانِعَ مِنِ ارْتِفَاعِهِمَا لِعَدَمِ الْعِنَادِ وَالْمُنَافَرَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْعَدَمِ، وَمَانِعَةُ الْجَمْعِ الْمَذْكُورَةُ يَنْتُجُ مِنْ قِيَاسِهَا ضَرْبَانِ، وَيَعْقُمُ مِنْهُ ضَرْبَانِ، وَمِثَالُهَا قَوْلُكَ: الْجِسْمُ إِمَّا أَبْيَضُ، وَإِمَّا أَسْوَدُ، فَإِنَّ اسْتِثْنَاءَ عَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ يُنْتِجُ نَقِيضَ الْآخَرِ، بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ نَقِيضِ أَحَدِهِمَا فَلَا يُنْتِجُ شَيْئًا، فَلَوْ قُلْتَ: الْجِسْمُ إِمَّا أَبْيَضُ وَإِمَّا أَسْوَدُ لَكِنَّهُ أَبْيَضُ، أَنْتَجَ: فَهُوَ غَيْرُ أَسْوَدَ، وَإِنْ قُلْتَ: لَكِنَّهُ أَسْوَدُ أَنْتَجَ فَهُوَ غَيْرُ أَبْيَضَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلْتَ: لَكِنَّهُ غَيْرُ أَبْيَضَ فَلَا يُنْتِجُ كَوْنَهُ أَسْوَدَ ; لِأَنَّ غَيْرَ الْأَبْيَضِ صَادِقٌ بِالْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قُلْتَ: لَكِنَّهُ غَيْرُ أَسْوَدَ، فَلَا يُنْتِجُ كَوْنَهُ أَبْيَضَ لِصِدْقِ غَيْرِ الْأَسْوَدِ بِالْأَبْيَضِ وَغَيْرِهِ، فَلَا مَانِعَ مِنِ انْتِفَاءِ الطَّرَفَيْنِ وَكَوْنِ جِسْمٍ غَيْرَ أَبْيَضَ وَغَيْرَ أَسْوَدَ ; لِأَنَّ مَانِعَةَ الْجَمِيعِ تُجَوِّزُ الْخُلُوَّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ بِأَنْ يَكُونَا مَعْدُومَيْنِ مَعًا، وَإِنَّمَا جَازَ فِيهَا الْخُلُوُّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مَعًا لِوَاحِدٍ مِنْ سَبَبَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute