للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَوَّلُ: وُجُودُ وَاسِطَةٍ أُخْرَى غَيْرَ طَرَفَيِ الْقَضِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَقَوْلُنَا فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ: الْجِسْمُ إِمَّا أَبْيَضُ، وَإِمَّا أَسْوَدُ يَجُوزُ فِيهِ الْخُلُوُّ عَنِ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ لِوُجُودِ وَاسِطَةٍ أُخْرَى مِنَ الْأَلْوَانِ غَيْرِ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ مَثَلًا، فَالْجِسْمُ الْأَحْمَرُ مَثَلًا غَيْرُ أَبْيَضَ وَلَا أَسْوَدَ.

السَّبَبُ الثَّانِي: ارْتِفَاعُ الْمَحِلِّ، كَقَوْلِكَ: الْجِسْمُ إِمَّا مُتَحَرِّكٌ، وَإِمَّا سَاكِنٌ، فَإِنَّهُ إِنِ انْعَدَمَ بَعْضُ الْأَجْسَامِ الَّتِي كَانَتْ مَوْجُودَةً وَرَجَعَ إِلَى الْعَدَمِ بَعْدَ الْوُجُودِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ عَنْهُ كُلٌّ مِنْ طَرَفَيِ الْقَضِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَا يُقَالُ لِلْمَعْدُومِ: هُوَ سَاكِنٌ وَلَا مُتَحَرِّكٌ ; لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا [١٩ \ ٩] ، وَقَوْلُهُ: أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا [١٩ \ ٦٧] .

وَإِنْ كَانَ الْعِنَادُ وَالْمُنَافَرَةُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا فِي الْعَدَمِ فَقَطْ فَهِيَ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ الْمُجَوِّزَةُ لِلْجَمْعِ، وَهِيَ عَكْسُ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلَهَا تَصَوُّرًا وَإِنْتَاجًا، وَلَا تَتَرَكَّبُ إِلَّا مِنْ قَضِيَّةٍ وَأَعَمَّ مِنْ نَقِيضِهَا، وَضَابِطُهَا أَنَّ طَرَفَيْهَا لَا يَرْتَفِعَانِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُنَافَرَةِ وَالْعِنَادِ فِي الْعَدَمِ، وَلَا مَانِعَ مِنِ اجْتِمَاعِهِمَا لِعَدَمِ الْمُنَافَرَةِ وَالْعِنَادِ بَيْنَهُمَا فِي الْوُجُودِ، وَمِثَالُهَا: الْجِسْمُ إِمَّا غَيْرُ أَبْيَضَ، وَإِمَّا غَيْرُ أَسْوَدَ، فَإِنَّ هَذَا الْمِثَالَ قَدْ يَجْتَمِعُ فِيهِ الطَّرَفَانِ فَلَا مَانِعَ مِنْ وُجُودِ جِسْمٍ مَوْصُوفٍ بِأَنَّهُ غَيْرُ أَبْيَضَ وَغَيْرُ أَسْوَدَ، كَالْأَحْمَرِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ أَبْيَضَ وَغَيْرُ أَسْوَدَ، وَلَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ وُجُودُ جِسْمٍ خَالٍ مِنْ طَرَفَيْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الَّتِي مَثَّلْنَا بِهَا، فَيَكُونُ خَالِيًا مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ أَبْيَضَ وَغَيْرَ أَسْوَدَ ; لِأَنَّكَ إِذَا نَفَيْتَ غَيْرَ أَبْيَضَ أَثْبَتَّ أَنَّهُ أَبْيَضُ ; لِأَنَّ نَفْيَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، وَإِذَا أَثْبَتَّ أَنَّهُ أَبْيَضُ اسْتَحَالَ ارْتِفَاعُ الطَّرَفِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ غَيْرُ أَسْوَدَ ; لِأَنَّ الْأَبْيَضَ مَوْصُوفٌ ضَرُورَةً بِأَنَّهُ غَيْرُ أَسْوَدَ، وَهَكَذَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ، لِأَنَّكَ إِذَا نَفَيْتَ غَيْرَ أَسْوَدَ أَثْبَتَّ أَنَّهُ أَسْوَدُ، وَإِذَا أَثْبَتَّ أَنَّهُ أَسْوَدُ لَزِمَ ضَرُورَةً أَنَّهُ غَيْرُ أَبْيَضَ، وَهُوَ عَيْنُ الْآخَرِ مِنْ طَرَفَيِ الْقَضِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقِيَاسُ هَذِهِ يَنْتُجُ مِنْهُ الضَّرْبَانِ الْعَقِيمَانِ فِي قِيَاسِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَيَعْقُمُ مِنْهُ الضَّرْبَانِ الْمُنْتِجَانِ فِي قِيَاسِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ نَقِيضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ فِي قِيَاسِ هَذِهِ الْأَخِيرَةِ يُنْتِجُ عَيْنَ الْآخَرِ، وَأَنَّ اسْتِثْنَاءَ عَيْنِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا لَا يُنْتِجُ شَيْئًا.

فَقَوْلُنَا فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ: الْجِسْمُ إِمَّا غَيْرُ أَبْيَضَ وَإِمَّا غَيْرُ أَسْوَدَ، لَوْ قُلْتَ فِيهِ: لَكِنَّهُ أَبْيَضُ، أَنْتَجَ، فَهُوَ غَيْرُ أَسْوَدَ، وَلَوْ قُلْتَ: لَكِنَّهُ أَسْوَدُ أَنْتَجَ فَهُوَ غَيْرُ أَبْيَضَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلْتَ: لَكِنَّهُ غَيْرُ أَبْيَضَ، فَلَا يُنْتِجُ نَفْيَ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَلَا وُجُودَهُ ; لِأَنَّ غَيْرَ الْأَبْيَضِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَسْوَدَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ أَسْوَدَ بَلْ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قُلْتَ: لَكِنَّهُ غَيْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>