للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَسْوَدَ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ نَفْيُ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَلَا إِثْبَاتُهُ ; لِأَنَّ غَيْرَ الْأَسْوَدِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَبْيَضَ وَغَيْرَ أَبْيَضَ لِكَوْنِهِ أَحْمَرَ مَثَلًا.

هَذِهِ خُلَاصَةٌ مُوجَزَةٌ عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي نَظَرِ الْمَنْطِقِيِّينَ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ

اعْلَمْ أَنَّ لِهَذَا الدَّلِيلِ آثَارًا تَارِيخِيَّةً، وَسَنَذْكُرُ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْضَهَا.

فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ الْعَظِيمَ جَاءَ فِي التَّارِيخِ أَنَّهُ أَوَّلُ سَبَبٍ لِضَعْفِ الْمِحْنَةِ الْعُظْمَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي عَقَائِدِهِمْ بِالْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَنَّ مِحْنَةَ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ نَشَأَتْ فِي أَيَّامِ الْمَأْمُونِ، وَاسْتَفْحَلَتْ جِدًّا فِي أَيَّامِ الْمُعْتَصِمِ، وَاسْتَمَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ فِي أَيَّامِ الْوَاثِقِ، وَهِيَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ التَّارِيخِ قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ وَقَدَمٍ.

وَمَعْلُومٌ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ قَتْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْأَفَاضِلِ وَتَعْذِيبِهِمْ، وَاضْطِرَارِ بَعْضِهِمْ إِلَى الْمُدَاهَنَةِ بِالْقَوْلِ خَوْفًا.

وَمَعْلُومٌ مَا وَقَعَ فِيهَا لِسَيِّدِ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَنِهِ «الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ» - تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ الْوَاسِعَةِ، وَجَزَاهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ خَيْرًا - مِنَ الضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ أَيَّامَ الْمُعْتَصِمِ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّ أَوَّلَ مَصْدَرٍ تَارِيخِيٍّ لِضِعْفِ هَذِهِ الْمِحْنَةِ وَكَبْحِ جِمَاحِهَا هُوَ هَذَا الدَّلِيلُ الْعَظِيمُ.

قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَرْجَمَةِ «أَحْمَدَ بْنِ أَبِي دُؤَادٍ» : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَزَّارُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَاسِي، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ شُعَيْبٍ الشَّاشِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الشَّاشِيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُنَبِّهٍ قَالَ: سَمِعْتُ طَاهِرَ بْنَ خَلَفٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْوَاثِقِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ يَقُولُ: كَانَ أَبِي إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا أَحْضَرَنَا ذَلِكَ الْمَجْلِسَ، فَأُتِيَ بِشَيْخٍ مَخْضُوبٍ مُقَيَّدٍ فَقَالَ أَبِي: ائْذَنُوا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ) يَعْنِي ابْنَ أَبِي دُؤَادَ (قَالَ: فَأُدْخِلَ الشَّيْخُ وَالْوَاثِقُ فِي مُصَلَّاهُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ: لَا سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بِئْسَ مَا أَدَّبَكَ مُؤَدِّبُكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [٤ \ ٨٦] ، وَاللَّهِ مَا حَيَّيْتَنِي بِهَا وَلَا بِأَحْسَنَ مِنْهَا، فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الرَّجُلُ مُتَكَلِّمٌ، فَقَالَ لَهُ: كَلِّمْهُ، فَقَالَ: يَا شَيْخُ، مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ الشَّيْخُ: لَمْ تَنْصِفْنِي - يَعْنِي وَلِيَ السُّؤَالُ - فَقَالَ لَهُ: سَلْ: فَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>