عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا، وَقَدْ عُرِفَ فِي تَارِيخِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْعَوْنَ فِي التَّقَدُّمِ فِي جَمِيعِ الْمَيَادِينِ مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى طَاعَةِ خَالِقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَلَّ وَعَلَا.
وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي فِي مَعْنَى الْعَهْدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [١٩ \ ٧٨] ، أَنَّ الْمَعْنَى: أَمْ أَعْطَاهُ اللَّهُ عَهْدًا أَنَّهُ سَيَفْعَلُ لَهُ ذَلِكَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي نَظِيرِهِ فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» : قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ [٢ \ ٨٠] ، وَخَيْرُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْقُرْآنُ الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: الْعَهْدُ الْمَذْكُورُ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَقِيلَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا.
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ سَيَكْتُبُ مَا قَالَهُ ذَلِكَ الْكَافِرُ افْتِرَاءً عَلَيْهِ، مِنْ أَنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُؤْتَى مَالًا وَوَلَدًا مَعَ كُفْرِهِ بِاللَّهِ، وَأَنَّهُ يَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا [١٩ \ ٧٩] أَيْ: نَزِيدُهُ عَذَابًا فَوْقَ عَذَابٍ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ: وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا أَيْ: نُطَوِّلُ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَا يَسْتَأْهِلُهُ، وَنُعَذِّبُهُ بِالنَّوْعِ الَّذِي يُعَذَّبُ بِهِ الْمُسْتَهْزِئُونَ، أَوْ نَزِيدُهُ مِنَ الْعَذَابِ وَنُضَاعِفُ لَهُ مِنَ الْمَدَدِ، يُقَالُ: مَدَّهُ وَأَمَدَّهُ، بِمَعْنًى، وَتَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «وَنُمِدُّ لَهُ» ، بِالضَّمِّ.
وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالْمَصْدَرِ، وَذَلِكَ مِنْ فَرْطِ غَضَبِ اللَّهِ، نَعُوذُ بِهِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِمَا يَسْتَوْجِبُ غَضَبَهُ. اهـ.
وَأَصْلُ الْمَدَدِ لُغَةً: الزِّيَادَةُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى فِي أَكَابِرِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ [١٦ \ ٨٨] ، وَقَوْلُهُ فِي الْأَتْبَاعِ وَالْمَتْبُوعِينَ: قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ [٧ \ ٣٨] .
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ [١٩ \ ٨٠] ، أَيْ: مَا يَقُولُ إِنَّهُ يُؤْتَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ، أَيْ: نَسْلُبُهُ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا مَا أَعْطَيْنَاهُ مِنَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ بِإِهْلَاكِنَا إِيَّاهُ، وَقِيلَ: نَحْرِمُهُ مَا تَمَنَّاهُ مِنَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ فِي الْآخِرَةِ، وَنَجْعَلُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَدُلُّ لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [١٩ \ ٤٠] ، وَقَوْلُهُ: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ [١٥ \ ٢٣] ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute