فِي «الْأَنْعَامِ» : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [٦ ٢١] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَيُفْهَمُ مِنْ مَفْهُومِ مُخَالَفَةِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ: أَنَّ مِنْ جَانِبِ تِلْكَ الصِّفَاتِ الَّتِي اسْتَوْجَبَتْ نَفْيَ الْفَلَاحِ عَنِ السَّحَرَةِ، وَالْكَفَرَةِ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ يَنَالُ الْفَلَاحَ، وَهُوَ كَذَلِكَ، كَمَا بَيَّنَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ. كَقَوْلِهِ: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [٢ ٥] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [٢٣ ١] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ مُضَارِعُ أَفْلَحَ بِمَعْنَى نَالَ الْفَلَاحَ. وَالْفَلَاحُ يُطْلَقُ فِي الْعَرَبِيَّةِ عَلَى الْفَوْزِ بِالْمَطْلُوبِ. وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
فَاعْقِلِي إِنْ كُنْتِ لَمَّا تَعْقِلِي ... وَلَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ كَانَ عَقَلْ
فَقَوْلُهُ «وَلَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ كَانَ عَقَلَ» يَعْنِي أَنَّ مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ الْعَقْلَ فَازَ بِأَكْبَرِ مَطْلُوبٍ. وَيُطْلَقُ الْفَلَاحُ أَيْضًا عَلَى الْبَقَاءِ، وَالدَّوَامِ فِي النَّعِيمِ. وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
لَوْ أَنَّ حَيًّا مُدْرِكُ الْفَلَاحِ ... لَنَالَهُ مُلَاعِبُ الرِّمَاحِ
فَقَوْلُهُ «مُدْرِكُ الْفَلَاحِ» يَعْنِي الْبَقَاءَ. وَقَوْلُ الْأَضْبَطِ بْنِ قُرَيْعٍ السَّعْدِيِّ، وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الْهُمُومِ سَعَهْ ... وَالْمُسْيُ وَالصُّبْحُ لَا فَلَاحَ مَعَهْ
عَنَى أَنَّهُ لَيْسَ مَعَ تَعَاقُبِ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ بَقَاءٌ. وَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ «حَيَّ عَلَى الْفَلَّاحِ» فِي الْأَذَانِ، وَالْإِقَامَةِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: حَيْثُ أَتَى حَيْثُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْمَكَانِ، كَمَا تَدُلُّ حِينًا عَلَى الزَّمَانِ، رُبَّمَا ضُمِّنَتْ مَعْنَى الشَّرْطِ. فَقَوْلُهُ: وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى أَيْ: حَيْثُ تَوَجَّهَ وَسَلَكَ. وَهَذَا أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ يُقْصَدُ بِهِ التَّعْمِيمُ. كَقَوْلِهِمْ: فُلَانٌ مُتَّصِفٌ بِكَذَا حَيْثُ سَارَ، وَأَيَّةُ سَلَكَ، وَأَيْنَمَا كَانَ. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
بَانَ الْخَلِيطُ وَلَمْ يَأْوُوا لِمَنْ تَرَكُوا ... وَزَوَّدُوكَ اشْتِيَاقًا أَيْةَ سَلَكُوا
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى أَيْ: لَا يَفُوزُ، وَلَا يَنْجُو حَيْثُ أَتَى مِنَ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: حَيْثُ احْتَالَ. وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ هُوَ