الْكَلَامَ مُسْتَوْفًى فِي هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الَّتِي بَعْدَهَا أَدَاةُ عَطْفٍ كَالْفَاءِ، وَالْوَاوِ، كَقَوْلِهِ هُنَا: أَفَلَا يَرَوْنَ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا. وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ جَمَاهِيرُ الْقُرَّاءِ أَلَّا يَرْجِعُ بِالرَّفْعِ لِأَنَّ «أَنْ» مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ تَصْرِيحُهُ تَعَالَى بِالثَّقِيلَةِ فِي قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا فِي «الْأَعْرَافِ» : أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ الْآيَةَ [٧ ١٤٨] وَرَأَى فِي آيَةِ «طه، وَالْأَعْرَافِ» عَلَمِيَّةٌ عَلَى التَّحْقِيقِ، لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ عِلْمًا يَقِينًا أَنَّ ذَلِكَ الْعِجْلَ الْمَصُوغَ مِنَ الْحُلِيِّ لَا يَنْفَعُ، وَلَا يَضُرُّ، وَلَا يَتَكَلَّمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّ: «أَنْ» لَهَا ثَلَاثُ حَالَاتٍ: الْأُولَى أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ «أَنْ» الْمَصْدَرِيَّةَ النَّاصِبَةَ لِلْفِعْلِ الْمُضَارِعِ. وَضَابِطُ هَذِهِ: أَنْ تَكُونَ بَعْدَ فِعْلِ الْعِلْمِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى الْيَقِينِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى [٧٣ \ ٢٠] ، وَقَوْلِهِ: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ الْآيَةَ [٧٢ \ ٢٨] ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَاعْلَمْ فَعِلْمُ الْمَرْءِ يَنْفَعُهُ ... أَنْ سَوْفَ يَأْتِي كُلُّ مَا قُدِّرَا
وَقَوْلِ الْآخَرِ:
فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الْهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ... أَنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ
وَإِذَا جَاءَ بَعْدَ هَذِهِ الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ فِعْلٌ مُضَارِعٌ فَإِنَّهُ يُرْفَعُ، وَلَا يُنْصَبُ كَقَوْلِهِ:
عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُونَ فَجَادُوا ... قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوا بِأَعْظَمِ سُؤْلِ
وَ «أَنْ» هَذِهِ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ يَكُونُ اسْمُهَا مُسْتَكِنًّا غَالِبًا، وَالْأَغْلَبُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ. وَقِيلَ لَا يَكُونُ إِلَّا ضَمِيرَ الشَّأْنِ، وَخَبَرُهَا الْجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَهَا، كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:
وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنْ ... وَالْخَبَرُ اجْعَلْ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ أَنْ
وَمَا سُمِعَ فِي شِعْرِ الْعَرَبِ مِنْ بُرُوزِ اسْمِهَا فِي حَالِ كَوْنِهِ غَيْرَ ضَمِيرِ الشَّأْنِ فَمِنْ ضَرُورَةِ الشِّعْرِ. كَقَوْلِ جَنُوبَ أُخْتِ عَمْرِو ذِي الْكَلْبِ:
لَقَدْ عَلِمَ الضَّيْفُ وَالْمُرْمِلُونَ ... إِذَا اغْبَرَّ أُفْقٌ وَهَبَّتْ شَمَالًا
بِأَنَّكَ رَبِيعٌ وَغَيْثٌ مُرْبِعٌ ... وَأَنَّكَ هُنَاكَ تَكُونُ الثِّمَالَا
وَقَوْلِ الْآخَرِ:
فَلَوْ أَنَّكِ فِي يَوْمِ الرَّخَاءِ سَأَلْتِنِي ... طَلَاقَكِ لَمْ أَبْخَلْ وَأَنْتِ صَدِيقُ