للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَكُونَ مُحْتَمِلَةً لِكَوْنِهَا الْمَصْدَرِيَّةَ النَّاصِبَةَ لِلْمُضَارِعِ. وَمُحْتَمِلَةً لِأَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ.

وَإِنْ جَاءَ بَعْدَهَا فِعْلٌ مُضَارِعٌ جَازَ نَصْبُهُ لِلِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ، وَرَفْعُهُ لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي، وَعَلَيْهِ الْقِرَاءَتَانِ السَّبْعِيَّتَانِ فِي قَوْلِهِ وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ [٥] ، بِنَصْبِ «تَكُونَ» وَرَفْعِهِ، وَضَابِطُ «أَنْ» هَذِهِ أَنْ تَكُونَ بَعْدَ فِعْلٍ يَقْتَضِي الظَّنَّ وَنَحْوِهِ مِنْ أَفْعَالِ الرُّجْحَانِ. وَإِذَا لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفِعْلِ فَاصْلٌ فَالنَّصْبُ أَرْجَحُ، وَلِذَا اتَّفَقَ الْقُرَّاءُ عَلَى النَّصْبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا الْآيَةَ [٢٩ \ ٢] وَقِيلَ: إِنَّ «أَنْ» الْوَاقِعَةَ بَعْدَ الشَّكِّ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا النَّصْبُ. نَقَلَهُ الصَّبَّانُ فِي حَاشِيَتِهِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ بِوَاسِطَةِ نَقْلِ السُّيُوطِيِّ.

الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَكُونَ «أَنْ» لَيْسَتْ بَعْدَ مَا يَقْتَضِي الْيَقِينَ، وَلَا الظَّنَّ وَلَمْ يَجْرِ مَجْرَاهُمَا، فَهِيَ الْمَصْدَرِيَّةُ النَّاصِبَةُ لِلْفِعْلِ الْمُضَارِعِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَإِلَى الْحَالَاتِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَبِلَنِ انْصِبْهُ وَكَيْ كَذَا بِأَنْ ... لَا بَعْدَ عِلْمٍ وَالَّتِي مِنْ بَعْدِ ظَنَّ

فَانْصِبْ بِهَا وَالرَّفْعَ صَحِّحْ وَاعْتَقِدْ ... تَخَفِيفَهَا مِنْ أَنَّ فَهْوَ مُطَّرِدْ

تَنْبِيهٌ

قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْعِجْلَ لَوْ كَانَ يُكَلِّمُهُمْ لَكَانَ إِلَهًا. لِأَنَّ الشَّيْءَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا بِشُرُوطٍ كَثِيرَةٍ، فَفَوَاتُ وَاحِدٍ مِنْهَا يَقْتَضِي فَوَاتَ الْمَشْرُوطِ، وَلَكِنَّ حُصُولَ الْوَاحِدِ فِيهَا لَا يَقْتَضِي حُصُولَ الْمَشْرُوطِ انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَمَا ذَكَرَهُ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ. فَكُلُّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى شَرْطَيْنِ فَصَاعِدًا لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِحُصُولِ جَمِيعِ الشُّرُوطِ. فَلَوْ قُلْتَ لِعَبْدِكَ: إِنْ صَامَ زَيْدٌ وَصَلَّى وَحَجَّ فَأَعْطِهِ دِينَارًا. لَمْ يَجُزْ لَهُ إِعْطَاؤُهُ الدِّينَارَ إِلَّا بِالشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ. وَمَحَلُّ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقُ الشُّرُوطِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ وَاحِدٌ. فَلَوْ قُلْتَ لِعَبْدِكَ: إِنْ صَامَ زَيْدٌ أَوْ صَلَّى فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا. فَإِنَّهُ يَسْتَوْجِبُ إِعْطَاءَ الدِّرْهَمِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ. وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ فِي مَرَاقِي السُّعُودِ فِي مَبْحَثِ الْمُخَصَّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ بِقَوْلِهِ:

وَإِنْ تَعَلَّقَ عَلَى شَرْطَيْنِ شَيْءٌ ... فَبِالْحُصُولِ لِلشَّرْطَيْنِ

وَمَا عَلَى الْبَدَلِ قَدْ تَعَلَّقَا ... فَبِحُصُولِ وَاحِدٍ تَحَقَّقَا

وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْفُتُونِ عَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>