للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ عَامَّةُ السَّبْعَةِ مَا عَدَا نَافِعًا وَشُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ بِفَتْحِ هَمْزَةِ «أَنْ» ، وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ «أَنْ» وَصِلَتِهَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْ «أَنْ» وَصِلَتِهَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ أَيْ: وَإِنَّ لَكَ أَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى. وَيَجُوزُ فِي الْمَصْدَرِ الْمَعْطُوفِ الْمَذْكُورِ النَّصْبُ، وَالرَّفْعُ، كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

وَجَائِزٌ رَفْعُكَ مَعْطُوفًا عَلَى ... مَنْصُوبِ إِنَّ بَعْدَ أَنْ تَسْتَكْمِلَا

وَإِيضَاحُ تَقْدِيرِ الْمَصْدَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ: إِنَّ لَكَ عَدَمَ الْجُوعِ فِيهَا، وَعَدَمَ الظَّمَأِ.

تَنْبِيهٌ

أَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وُجُوبَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا قَالَ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ [٢٠ \ ١١٧] ، بِخِطَابٍ شَامِلٍ لِآدَمَ وَحَوَّاءَ، ثُمَّ خَصَّ آدَمَ بِالشَّقَاءِ دُونَهَا فِي قَوْلِهِ فَتَشْقَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُكَلَّفُ بِالْكَدِّ عَلَيْهَا وَتَحْصِيلِ لَوَازِمِ الْحَيَاةِ الضَّرُورِيَّةِ لَهَا: مِنْ مَطْعَمٍ، وَمَشْرَبٍ، وَمَلْبَسٍ، وَمَسْكَنٍ.

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَا نَصُّهُ: وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِذِكْرِ الشَّقَاءِ وَلَمْ يَقُلْ فَتَشْقَيَا يُعَلِّمُنَا أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ، فَمِنْ يَوْمئِذٍ جَرَتْ نَفَقَةُ النِّسَاءِ عَلَى الْأَزْوَاجِ. فَلَمَّا كَانَتْ نَفَقَةُ حَوَّاءَ عَلَى آدَمَ كَذَلِكَ نَفَقَاتُ بَنَاتِهَا عَلَى بَنِي آدَمَ بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ. وَأَعْلَمَنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ النَّفَقَةَ الَّتِي تَجِبُ لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ: الطَّعَامُ، وَالشَّرَابُ، وَالْكُسْوَةُ، وَالْمَسْكَنُ. فَإِذَا أَعْطَاهَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ فَقَدْ خَرَجَ إِلَيْهَا مِنْ نَفَقَتِهَا، فَإِنْ تَفَضَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مَأْجُورٌ. فَأَمَّا هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا. لِأَنَّ بِهَا إِقَامَةَ الْمُهْجَةِ اهـ مِنْهُ.

وَذَكَرَ فِي قِصَّةِ آدَمَ: أَنَّهُ لَمَّا أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ أُهْبِطَ إِلَيْهِ ثَوْرٌ أَحْمَرُ وَحَبَّاتٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَكَانَ يَحْرُثُ عَلَى ذَلِكَ الثَّوْرِ وَيَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ وَذَلِكَ مِنَ الشَّقَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنَ الْبَدِيعِ الْمَعْنَوِيِّ فِي اصْطِلَاحِ الْبَلَاغِيِّينَ، هُوَ مَا يُسَمَّى «مُرَاعَاةَ النَّظِيرِ» ، وَيُسَمَّى «التَّنَاسُبَ، وَالِائْتِلَافَ. وَالتَّوْفِيقَ، وَالتَّلْفِيقَ» . فَهَذِهِ كُلُّهَا أَسْمَاءٌ لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْبَدِيعِ الْمَعْنَوِيِّ. وَضَابِطُهُ: أَنَّهُ جَمْعُ أَمْرٍ وَمَا يُنَاسِبُهُ لَا بِالتَّضَادِّ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [٥٥ \ ٥] ، فَإِنَّ الشَّمْسَ، وَالْقَمَرَ مُتَنَاسِبَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>